يستطيع أن يرد على ابن جني في بعض الشؤون النحوية، وإن اتهمه القفطي بضعف أنسته بالعربية. ولم تكن هذه التهمة باطلة بإطلاق، فهناك من تعقبه في بعض أخطائه اللغوية، فقد وجد المستوفي على ظهر المجلدة الأولى من معجم الأدباء تقريظا للكتاب، كتبه عبد الرحيم بن النفيس بن هبة الله الحديثي «1» وتحت التقريظ بعض ما يراه هذا المتعقب خطأ، إذ وجده يقول في مقدمة المعجم «وكنت مع ذلك أقول للنفس مماطلا وللهم مناضلا (بالضاد) » ، وفي بعض مقدمة كتاب آخر وجده يمدّ المقصور، ووجده يقول في موضع ثالث «وكنت مشكّا» (وهو يريد: شاكا) «2» .
لكن لعله لم يكن في شيوخه أحد يقرأ الخوارزمي أو البيروني أو يعرف جغرافية بطلميوس، فهذه المعارف وأضرابها إنما كانت ثمرة اطلاع على مؤلفات جغرافية وفلكية، واختياره المظانّ التي يرجع إليها- وهي من أوثقها في موضوعاتها، يدلّ على بصر نافذ، ومقارنات متعددة، ولهذا لا يمكن أن نعدّ ياقوتا صحفيا، لا لأنّه جمع إلى الاعتماد على ما تتضمنه الأسفار لقاء الشيوخ، بل لأنّه استطاع دائما أن يميّز المصادر المهمة للمعارف التي يبحث عنها. ولكن هذا الوضع أبقى في المجال الثقافي لدى ياقوت حلقة مفقودة، وهي التلامذة، فأنت إذا استثنيت عددا ممن عرفوا ياقوتا وأخذوا عنه لا تجد له تلميذا بالمعنى الدقيق.
ومهما يكن من أمر ثقافته فهي التي جعلت له وجودا متميزا بين المؤلفين وكفلت له أن يكون شاعرا ناثرا ذا بصر بأوليات النقد الضرورية، وسأتحدث عن هذه «المهارات» لدى ياقوت في فقرات تالية.
على مدى لا يقل عن ستة وثلاثين عاما قضاها ياقوت في التجوال تاجرا وطالبا للعلم وساعيا للقاء كلّ من يعينه على الوصول إلى حقيقة علمية أو كتاب لم يعرفه من