وتصرفا في سلوكه يوجب له الشتات (أي طرده عن حمى الوزير الكبير، لو أمن ذلك الوزير النقد الإجتماعي) . وقد استطاع الوزير أن يخفي مشاعره الحقيقة تجاه ياقوت حتى أن ياقوتا وصفه بأنه كان «طلق الوجه حلو البشاشة» «1» هذا إلى صفات أخرى فيه فقد كان «جمّ الفضل، كثير النبل، عظيم القدر، سمح الكف» قال ياقوت:
«وكنت ألازم منزله، ويحضره أهل الفضل وأرباب العلم» «2» وهو يرتفع في نظر نفسه حين يلقبه «الصاحب الوزير الأكرم» ويلحق بذكر اسمه الدعاء وهو في رسالته إليه «مالك الرق، ولي النعم» ، ولكن القفطي لا يحب أن ينزل إلى مستوى تاجر كتب، ولذلك فلا تجري كلمة «الصاحب» على طرف لسانه أو على سنّ قلمه، بينما نجد كمال الدين ابن العديم يقول: «وذكر صاحبنا ياقوت ... ونقلت من خط صديقنا ... وقرأت بخط صديقنا الفاضل» «3» يقابل هذا عند القاضي الأكرم قوله:
«ذكر لي ياقوت الرومي الناسخ- أخبرني ياقوت واسمه ياقوت الرومي مولى عسكر الحموي- ذكر لي ياقوت الحموي مولى عسكر الحموي التاجر- وقال لي ياقوت مولى عسكر الحموي» » .
وقد توفي ياقوت وهو لا يدرك شيئا مما كان يسرّه القاضي الأكرم نحوه من كراهية وضغن واحتقار، ولا يعرف اللغة الاستعلائية التي يستعملها القاضي كلما ذكره أو تذكّره. وكان ذلك من رحمة الله به، إن إحساس القفطي بالرفعة وإمعان ياقوت في إبراز الدونية (مرغما أحيانا) هو المسؤول عن بقاء المسافة الفاصلة قائمة بين الرجلين.
ولعل الصلة بين ياقوت والقفطي تعيدنا إلى الحديث عن الضنّ بالمؤلفات، فإن في معجم الأدباء إشارات إلى أن ياقوتا أفاد من كتاب في النحاة للقفطي، ولعل ذلك يشير إلى كتابه المعروف باسم «إنباه الرواة» ولكن الفوائد المستمدة من هذا الكتاب قليلة في معجم الأدباء، (والأدباء يشملون النحويين) فلو أن ياقوتا تمكّن من الاطلاع عليه أو على معظمه، لما اتضح ذلك البون بين الكتابين. ترى هل كان ذلك نتيجة