عمارتها متصلة وقراها متقاربة، وأكثر الضياع فيها مدن ذات أسواق وخيرات ودكاكين، وفي النادر أن تكون قرية لا سوق فيها، هذا مع كثرة الشجر وامتداد ظل الأمن، إلا أنه وجد الشتاء فيها قارس البرد جدا، حتى أن نهر جيحون- وعرضه ميل- يتجمد في الشتاء، وتمر فوق سطحه القوافل والعجلات التي تجرها البقر، وهي موقرة، في الذهاب والاياب، ويبقى النهر في حالة تجمد نحو شهرين «1» . وفي خوارزم لقي القاسم بن الحسين الخوارزمي، قصده إلى منزله فوجده شيخا بهي المنظر حسن الشيبة، سمينا عاجزا عن الحركة «2» .
وفي دخوله إلى منطقة خوارزم وقبل أن يصل ياقوت الجرجانية عاصمتها كان يجتاز جيحون في سفينة مع بعض المسافرين، فأخذ النهر بالتجمد وحصرت الثلوج السفينة، فقاسى من البرد آلاما شديدة، وأخذ يتوقع الهلاك هو ومن معه، وأخيرا قيض لهم أن يخرجوا إلى البرّ، وكانت أقرب مدينة إليهم أرثخشميثن، فساروا في الثلوج ولا دواب هنالك، فوصل إلى المدينة المذكورة بعد شدائد؛ ونزل في خان هنالك، وكتب على حائطه مقطوعة شعرية ركيكة الصياغة يصف فيها بعض ما قاساه، وفي المقطوعة يذم المدينة وأهلها ثم يعلق على ذلك بقوله: «وأما ذمي لذلك البلد وأهله فإنما كان نفثة مصدور، اقتضاها ذلك الحادث المذكور، وإلا فالبلد وأهله بالمدح أولى، وبالتقريظ أحق وأحرى» «3» .
كان خروج التتر لا جتياح ديار الإسلام، هولا عاما، كأنه الخطر الكوارثي الذي لا يمكن صدّه لا بالقوة ولا بالحيلة، لهذا يصبح مطلب كل فرد أن ينجو بنفسه، غير عابىء بما يصيب الآخرين، وذلك هو حال بني البشر يوم الحشر، فهرب ياقوت في مثل تلك الحال أمر طبيعي. وكانت عودة ياقوت هاربا نحو الغرب عن طريق بلاد الخزر، ومرّ بعدة مدن وصفها مسرعا إلا أنه (سنة 617) تلبث في أردبيل، وشاهد الغيضة التي يلجأ إليها أهل المدينة إذا دهمهم أمر، وهي الغيضة نفسها التي يقطعون منها الخشب ويصنعون منه قصاع الخلنج والصواني، ولا توجد قطعة منه خالية من