عليها الخراب «1» ، ولعله لم يطل الإقامة في منطقة الري إذ يصل في السنة نفسها إلى الشاذياخ التي كانت قد خلفت مدينة نيسابور فيستطيبها وتعجبه الإقامة فيها. ويقول في وصف هذه المرحلة من حياته: «وصادفت بها من الدهر غفلة، خرج بها عن عادته، واشتريت بها جارية تركية لا أرى أن الله تعالى خلق أحسن منها خلقا وخلقا، وصادفت من نفسي محلا كريما» «2» .
تلك ذروة غريبة الموقع في حياة ياقوت، فها هو على مشارف الأربعين، يقبل على الزواج، أي يختار الاستقرار، وهو رجل موكّل بفضاء الله يذرعه، لا يكفّ عن الترحال، والأغرب من كل ذلك أن يعرض الجارية للبيع بعد إذ حلت من نفسه ذلك المحلّ الكريم، دون أن يكون هناك سبب يحفزه إلى التخلي عنها، سوى أنه أبطرته النعمة فتحجج بضيق اليد، لكنه أساء التقدير، إذ لم يحسب أن تعلقه بها لا تهزمه الدعوى أو الخداع الذاتي، يقول: «فامتنع عليّ القرار، وجانبت المأكول والمشروب حتى أشرفت على البوار» ونصحه بعض معارفه أن يتصل بمالكها الجديد ليسترجعها، ولكن الذي اشتراها كان في سعة من الحال. ولم يكن بيعها ليضيف كثيرا إلى ثرائه، كما أنها حلّت من نفسه محلا يكاد يتجاوز ما بلغته لدى ياقوت نفسه، والغريب في تصرف ياقوت لا في أنه أحبها وحسب، بل في قوله واصفا محبتها هي له: «وكان لها إليّ ميل يضاعف ميلي إليها» «3» . وقد لجأ ياقوت إلى الشعر يخفف به لوعته، ويتحسر على ما ضاع من يده، فنظم مقطوعة مطلعها «ألا هل ليالي الشاذياخ تؤوب» يقول فيها:
أئن ومن أهواه يسمع أنّتي ... ويدعو غرامي وجده فيجيب
وأبكي فيبكي مسعدا لي فيلتقي ... شهيق وأنفاس له ونحيب «4»
وصل ياقوت إلى مرو الشاهجان سنة 614، وألقى فيها عصا التسيار، كان يطلب ملجأ آمنا بعيدا عن عصبيات الشاميين وغيرهم فوجده، وكان يريد دواء لمشاعره