فاليك بعد اليوم معذرتي ... لاقتك «1» بالتصريح منكشفا
لا تسدينّ «2» إليّ عارفة ... حتى أقوم بشكر ما سلفا
فأما ما يعزوه إليّ من البراعة وحسن الصناعة، ويقرّره من الإحسان كان الطيّ به أولى من الإذاعة، فتلك حال إن ثبت فيها الدعاوي، واتفق على صحة نقلها المخالف والموالي، فإنما جريت إليها بجياد هنّ التوالي لسوابقه، الصوادي إلى مناهل حقائقه، وأين الرذايا بعد ذلك من السابقات، والمقصّرة من اللاحقات، والمقرفة من كريمات المناسك، والمكدية مطالبها من نجيحات المكاسب:
سبقت إلى الآداب أبناء دهرنا ... فبؤت بعاديّ على الدهر أقدم
وليست كما أبقت ضبيعة أضجم ... وليست كما سادت قبائل جرهم
ولكنّ طودا لم يحلحل رسيّه ... وفارعة قعساء لم تتسنم
إذا ما بناء شاده الفضل والتقى ... تهدّمت الدنيا ولم يتهدّم
فالله تعالى يحرس عليه ما خوّله من هذه الخصائص النفيسة والمنح الشريفة، ولا تعدم القلوب الراحة بمحاضرته، كما لم يخله من النصر إذا أشرع رماح الجدل يوم مناظرته، بمنه وجوده؛ فأما اعتذاره عن إنفاذ ذلك التأليف، وانكاره للفراغ منه بعد التعريف، فما يخفى ما وراء ذلك من المغالطة، وما يقصده في كلّ وقت من قطع حبال المباسطة، ولولا أن المعاتبة إذا حقّت قلما يسلم معها وداد، ويجود في مطاويها من الصفاء عهاد:
لأرسلتها مقطوعة العقل تغتدي ... شوارد قد بالغن في الجولان
قوارص تبقى ما رأى الشمس ناظر ... وما سمعت من سامع أذنان
لكن المقصود ما عاد باجمام خاطره وصفاء مشاربه، والا أكون عليه عونا للدهر ونوائبه، لا سيّما وقد رأيت الصبر على فعاله، أيسر من الصبر على ترك وصاله، فأما الملحة فانني وجدتها عند الوصول كما سماها غريبة في لفظها ومعناها، عارية من لبسة التكلف، بعيدة عن التصنع، تقتاد القلوب بأزمتها. وما كان أولاه لو قرنها إلى