معاوية عمرو بن العاص ومروان بن الحكم، فلما غدا عليه أبو الأسود قال له عمرو:
ما فعلت ضرطتك يا أبا الأسود بالأمس؟ قال: ذهبت كما يذهب الريح من شيخ ألان الدهر أعصابه ولحمه عن إمساكها، وكل أجوف ضروط، ثم أقبل على معاوية وقال:
إن امرءا ضعفت أمانته ومروءته عن كتمان ضرطة لحقيق بأن لا يؤمن على أمور المسلمين.
وبالإسناد قال «1» : كان لأبي الأسود جار يؤذيه ويرميه بالحجارة، فشكا أبو الأسود ذلك إلى قومه وغيرهم، فكلموه ولاموه فقال: لم أرمه، وإنما يرميه الله لقطعه الرحم وسرعته إلى الظلم في بخله بماله، فقال أبو الأسود: ما أجاور رجلا يقطع رحمي ويكذب على الله ربي. فقيل له: وكيف يكذب على ربك؟ فقال: لأنه عز وجل، لو رماني ما أخطأني، وهذا فلا يصيبني. ثم باع داره، واشترى دارا في هذيل. فقيل لأبي الأسود: أبعت دارك؟ قال: ما بعت داري وإنما بعت جاري فأرسلها مثلا.
ومن شعر أبي الأسود «2» :
وإني ليثنيني عن الشتم والخنا ... وعن سبّ أقوام خلائق أربع
حياء وإسلام وبقيا وأنني ... كريم ومثلي قد يضر وينفع
فإن أعف يوما عن ذنوب أتيتها ... فإن العصا كانت لذي الجلم تقرع
وشتان ما بيني وبينك إنني ... على كل حال أستقيم وتظلع
وقال أبو الأسود لابنه أبي حرب وأمره بالسعي في التجارة فأبى وقال: إن كان لي رزق فسيأتيني. فقال «3» :
وما طلب المعيشة بالتمني ... ولكن ألق دلوك في الدلاء
تجيء بملئها طورا وطورا ... تجيء بحمأة وقليل ماء