وحدث المدائني قال «1» : كان أبو الأسود جالسا في دهليزه وبين يديه رطب، فجاز به رجل أعرابي فقال: السلام عليك. فقال أبو الأسود: كلمة مقولة. فقال:
أدخل؟ فقال: وراءك أوسع لك. قال: إن الرمضاء أحرقت رجلي. قال: بل عليها أو ائت الجبل يفئ عليك. قال: هل عندك شيء تطعمنيه؟ قال: نأكل ونطعم العيال فإن فضل شيء فأنت أحقّ من الكلب. فقال الأعرابي: ما رأيت الأم منك.
قال: بلى ولكنك قد أنسيت، قال: أنا ابن الحمامة. قال كن ابن الطاووس، وانصرف. قال: أسألك بالله إلا أطعمتني مما تأكل. فألقى إليه ثلاث رطبات، فوقعت إحداهن في التراب، فأخذ يمسحها بثوبه. فقال أبو الأسود: دعها، فإن الذي تمسحها منه أنظف من الذي تمسحها به. قال: إنما كرهت أن أدعها للشيطان.
فقال: لا والله، ولا تدعها لجبريل وميكائيل.
وحدث عنه أنه كان مبخلا، وأنه كان يوما على باب داره وبين يديه طبق فيه رطب تمر، فإنه ليأكل من ذلك التمر إذ وقف به أعرابي قد أوغل في البؤس، فسلّم عليه، ثم قال: أصلحك الله، شيخ همّ غابر ماضين ووافد محتاجين، أكله الفقر وأذله الدهر فأعن ضيفا ضعيفا. فمد أبو الأسود يده فناول الشيخ تمرة فرماها الشيخ في وجهه، وولّى وهو يقول: جعلها الله حظك من حظك، وألجأك إليّ كالجائي إليك ليبلوك بي كما بلاني بك.
كانت «2» له امرأة له منها ولد، فخاصمته إلى زياد بن أبيه، فقال أبو الأسود:
أصلح الله الأمير، أنا أحق بالولد منها. فقال زياد: ولم؟ فقال أبو الأسود: حملته قبل أن تحمله، ووضعته قبل أن تضعه. قالت: أصلح الله الأمير، وضعه شهوة ووضعته كرها، وحمله خفا وحملته ثقلا. قال زياد: صدقت، أنت أحق بالولد منه.
وحدث المدائني «3» عن أبي بكر الهذلي أن أبا الأسود كان يحدث معاوية يوما فتحرك فضرط، فقال لمعاوية: استرها عليّ. فقال: نعم. فلما خرج حدث بها