فأتيته، فدخلت عليه وهو قاعد في مشرفة في داره التي فيها مجلس الخضراء، فسلمت عليه بالخلافة فأدناني وقربني حتى كدت أن تمسّ ركبتي ركبته. وسألني عن جميع أحوالي في بدني ومعاشي وعيالي، ثم بسطني وأنّسني بالحديث ساعة، ثم قال: لو أتيت فتانا محمدا، يعني المهدي، فحدثته من طرائف ما عندك، وخبرته بشرف أهله في جاهليتهم وإسلامهم، وأيامهم وأنسابهم، ومن يقرب إليه من نسبه في قريش، وصهره من جميع العرب، وما يحتاج إليه من منازل أهله وأقاربه منه والأقرب فالأقرب منهم لم يضع ذلك لك عندي. فقلت: أفعل ذلك وأبالغ فيه واستجزل حظي في القربة من أمير المؤمنين- أطال الله بقاءه في ذلك، ومن المهدي، أكرمه الله.
فحسن موقع قولي عنده، وسرّ به، وأمر لي بألفي دينار، وقال: اتخذها عقدة من معاش لك ولعقبك من بعدك، ولا تبسط يدك بالإسراف في إنفاقها، ولم يعلم أني أحوط لها منه، فقلت: نعم يا أمير المؤمنين، وأزيد على ذلك. قال: إذا أزيدك، وأعلمني كلّ وقت تصير فيه إلى محمد، وما يكون منك ومنه من إلقائك إليه وقبوله منك، ولا تخف عليّ من أمركما شيئا يبلغنيه غيرك، فقد وثقت بقولك واستنمت إلي كفايتك. فقلت: أفعل من ذلك ما يحسن لي به الموقع من قلب أمير المؤمنين.
وتبعني رسوله بالمال، فقبضته وغدوت على المهدي، فأعلمته بعثة أمير المؤمنين إليّ، وما أمر به. فأمرني بالملازمة، ولم أر له في ذلك النشاط لما ألقيت إليه، وأقبلت عليه بالحديث والكلام، فلم أره يهشّ لذلك، ولا يحسن له الاستماع، فغمني ذلك، وتخوفت أن أعلمه أباه فأغمّه، فلبثت منه على خطر عظيم، وأمسكت المال عندي مخافة أن يسترجعه إذا بلغه ذلك. فلم أحدث في شيء منه حدثا، وأقبلت آتيه، فلا يأذن لي إلا في الأيام، ثم يأمر أن لا أطيل في الجلوس، وأراه يميل إلى اللهو، وإلى الحديث المطرب الملهي، فعزمت على أن أسلك ذلك الطريق بقدر ما أقرب من قلبه، ثم أشرب ذلك ببعض ما أمرت به. فدخلت عليه يوما، فرأيته على الحالة التي كنت أراه عليها، وأجرى بعض من عنده حديثا من حديث بعض الملوك فنشط له وضحك. فقلت: أصلح الله الأمير، عندي ما هو أحسن من هذا وأطيب، فإن أذن الأمير حدثته، فاستوى على سريره جالسا ثم قال: هات ما عندك. فقلت:
إنه كان في الزمن الأول ملك من الملوك، وكان على بابه غسّال يغسل ثياب حشمه