فيعيش بأحسن حال حتى مات ذلك الملك وتفرّق حشمه فساءت حال الغسّال وافتقر فقال لامرأته: ويحك قد ترين ما قد أصبنا به من موت الملك، وقد رأيت رأيا فما ترين؟ قالت: ما هو؟ قال: نرتحل فنطلب باب ملك مثله، فإنه يحتاج إلى مثلي، فعسى الله أن يصنع لي ولك؛ قالت: نعم ما رأيت فافعل. فعمد الغسال إلى ما عنده من متاع وخزائن فباعه، وخرج وهو وامرأته قد حمل قرازمه في كساء على ظهره، والقرازم التي تدق بها الثياب وتسمى الكودينات، حتى أتيا بلدة فيها جبار على باب مدينته صنم على علم، لا يدخل مدينته أحد إلا نهارا، فمن دخلها من الناس فسجد لذلك الصنم لم يعرض له، ومن لم يسجد له قتل ولطّخ ذلك العلم بدمه بعد أن تقضى له ثلاث حوائج، ثم يقتل. فدخل الغسّال وامرأته، فلم يسجدا للصنم، وللملك منظرة في قصره يشرف منها على الصنم فيرى من يسجد ومن لا يسجد، فلما رآهما الملك لم يسجدا، دعا بهما ليقتلا، وقال لهما: ما منعكما أن تسجدا للصنم، وقد رأيتما الناس يسجدون له؟ قالا: لم نعلم أنه من أمر الملك فيأمر الملك أن نسجد له بقية يومنا. قال: ليس إلى ذلك سبيل، ولا بد من قتلكما بعد أن أقضي لكلّ واحد منكما ثلاث حوائج فاسألاها، فبكيا وتضرعا وسجدا له، فأبى إلا قتلهما. فلما يئسا من الحياة ومن عفوه، قال الرجل: يأمر لي الملك بعشرة آلاف درهم فأتوه بها. ثم قال: هات الثانية. قال: دار يسكنها ولدي من بعدي، فدفعت إليه دار. ثم قال:

هات الثالثة، فوضع كساءه على ظهره كهيئة المثقل، ثم أخرج أعظم قرزوم معه فأمسكه بيده، ومسحه بكمه. فقال الملك: هات حاجتك، قال: أضرب رأس الملك بهذا ثلاثا. قال فضحك المهدي حتى انقلب عن سريره، ثم قال: إيه.

قلت: فبقي الملك مكبّا مطرقا لا يدري ما يصنع، وعرض على الغسال من الأموال ما لا يحصى، فأبى وقال: ما ينفعني المال بعد موتي؟ فقال الملك لجلسائه: ما ترون؟ فقالوا: إما أن تقضي حاجته أو تبطل هذه السنة. فقال: ما إلى ابطالها سبيل. ودعا الملك بوسادة كبيرة، فوضعت على رأسه لتقيه من الضرب. فقال الغسال: ليس هذا شرطي أفتدعوني أتّقي من القتل كما تتقي من ضربي؟ قالوا:

صدق، فبقي الملك ساعة يفكر ثم قال: نحّوها، وقال له: اضرب، فضرب ضربة ألصقت رأس الملك بالأرض، وتصايح الناس والحشم، والملك مغشيّ عليه. قال:

طور بواسطة نورين ميديا © 2015