فيمن تقدّمنا من العلماء [1] وأمنا من الأئمة القدماء أحدا [2] إلا وقد نظم في سلك أهل الزلل، وأخذ عليه شيء من الخطل، وهم هم، فكيف بنا مع قصورنا واقتصارنا وصرف جلّ زماننا في نهمة الدنيا وطلب المعاش [3] ، وتنميق [4] الرياش، الذي مرادنا منه [5] صيانة العرض، وبقاء ماء الوجه لدى العرض.
وإنما تصديت [6] لجمع هذا الكتاب لفرط الشّغف والغرام، والوجد بما حوى والهيام، لا لسلطان أجتديه، ولا لصدر أرتجيه. غير أني أرغب إلى الناظر فيه أن يترحّم عليّ، ويعطف جيد دعائه إليّ، فذلك ما لا كلفة فيه عليه، ولا ضرر يرجع به إليه، فربما انتفعت بدعوته، وفزت بما قد أمن هو من معرّته.
ومع ما تقدّم من اعتذارنا، ومرّ من تنصّلنا واستغفارنا، فقد رآني جماعة من أهل العصر وقد نظمت لآلىء هذا الكتاب، وأبرزته في أبهى من الحليّ على ترائب الكعاب، فاستحسنوه والتمسوه لينسخوه، فوجدت في نفسي شحّا عليهم، وبخلا بعطف جيده إليهم، لأنه مني بمنزلة الروح من جسد الجبان، والسوداوين من العين والجنان، مع كوني غير راض لنفسي بذلك المنع، ولا حامد لها على ذلك الصنع، لكنها طبيعة عليها جبلت، وسجيّة إليها جبرت، حتى قلت فيه مع اعترافي بقلة بضاعتي في الشعر، وعلمي بركاكة نظمي والنثر [7] :
فكم قد حوى من فصل قول محبّر ... ومن نثر مصقاع ومن نظم ذي فهم
ومن خبر حلو ظريف جمعته ... على قدم الأيام للعرب والعجم
يرنّح أعطافي إذا ما قرأته ... كما رنّحت شرّابها إبنة الكرم
ولو أنني أنصفته في محبّتي ... لجلّدته جلدي وصندقته عظمي