من كلّ معنى يكاد الميت يفهمه ... حسنا ويعبده القرطاس والقلم

فهو لا ينفق إلا على من جبل على العلم طبعه، وعمر بحبّ الفضل ربعه، فظلّ للآداب خدينا، ولصحة العقل قرينا، قد عجنت بالظرافة طينته، وسيّرت باللطافة سيرته. وأما أهل الجهل [1] والغي، والفهاهة والعيّ، فليس ذا عشّك فادرجي [2] .

ولا مبيتك فأدلجي. فليعفني المفنّد البغيض، وليعرض عن التعريض.

على أنني معترف بقول [3] يحيى بن خالد: لا يزال الرجل في فسحة من عقله ما لم يقل شعرا أو يصنّف كتابا. وقد كتب جعفر بن يحيى إلى بعض عماله، وقد وقف على سهو في كتاب ورد منه: «اتخذ كاتبا متصفحا [4] لكتبك، فإن المؤلف للكتاب [5] تنازعه أمور وتعتوره صروف [6] تشغل قلبه وتشعّب فكره، من كلام ينسّقه، وتأليف ينظّمه، ومعنى يتعلّق به يشرحه، وحجة يوضحها. والمتصفّح للكتاب أبصر بمواضع الخلل من مبتدي تأليفه» . وأنا فقد اعترفت بقصوري فيما اعتمدت عن الغاية، وتقصيري عن الانتهاء إلى النهاية، فأسأل الناظر فيه أن لا يعتمد العنت ولا يقصد قصد من إذا رأى حسنا ستره، وعيبا أظهره. وليتأمّله بعين الإنصاف لا الانحراف، فمن طلب عيبا وجدّ وجد، ومن افتقد زلل أخيه بعين الرضى فقد فقد.

فرحم الله امرءا قهر هواه، وأطاع الانصاف ونواه، وعذرنا في خطأ إن كان منا، وزلل إن صدر عنّا، فالكمال محال لغير ذي الجلال، فالمرء غير معصوم، والنسيان في الإنسان غير معدوم. وإن عجز عن الاعتذار عنا والتصويب، فقد علم أن كلّ مجتهد مصيب، فانّا وإن أخطأنا في مواضع يسيرة، فقد أصبنا في مواطن كثيرة، فما علمنا

طور بواسطة نورين ميديا © 2015