يا غائبا عن ناظري ... وحاضرا في خاطري

لا تخش مني جفوة ... فباطني كظاهري [1]

والله يعلم أني لم أغفل كتابه صرما وهجرا، ولا أهملت مجاوبته نقضا لمودته الكريمة ولا غدرا، فإنه من العين بمكان السواد، ومن الصدر بموضع الفؤاد، وبسبب هذا الاعتقاد، وما ذكرت من محض الوداد، أبثّه أشجانا، وأطلعه على أسراري إسرارا واعلانا، ثقة بودّه، وتمسكا بوثيق عهده وعقده، لو رآني فسح الله مدته، وضاعف عليّ مودّته، لرأى صبا قلبه خفيق، ودمعه طليق:

قلق الضمير بظبية وهنانة ... فلها بقلبي هزة وعلوق

الوجه طلق والوشاح مهفهف ... والردف دعص والقوام رشيق

وتبسمت عن واضح فضحت به ... سطع البروق ونمّ منه رحيق

هذه الأبيات تغني عما أردت أن أشرحه، وتنبىء عن مكنون ما سبيلي أن أثبته وأوضحه، والله المسؤول أن يقضي مأربي بسعادة جده، ويزيل عني ما أخشاه بتمام إقباله ومجده، وكتابه هو فسحة للصدر، ومنية ما يطلب من الدهر، ولرأيه علوه في إمضائه إليّ، ووفوده عليّ.

وكتب إلى ابن المغربي يهنئه بالفتوح: أطال الله بقاء سيدنا الوزير الأجلّ ما سطع الصبح بعموده، وهمهم السحاب برعوده، وطلعت في الافق أنجم سعوده:

نعتدّه ذخر العلا وعتادها ... ونراه من كرم الزمان وجوده

والدهر يضحك من بشاشة بشره ... والعيش يطرب من نضارة عوده

فقد ألبس الله الدهر من مناقب الحضرة السامية ما أخرس اللائمة [2] ، وأفاض على الكافة من آلائها ما تملك به رقّ المآثر، ويعجز عنه كلّ ناظم وناثر:

يقصّر عنه لسان البليغ ... ويفضل عن مقلة الناظر

طور بواسطة نورين ميديا © 2015