فما تنفكّ- خلد الله أيامها- تذود [1] عن الدولة برأي صائب، وحساب قاضب، يتحاسد عليه الدرع والدراعة، ويتنافس فيه الصمصامة واليراعة، والملك بين هذين متين العماد، مستبحر [2] الثماد:
ما زال قائد كتبة وكتيبة ... بأصيل رأيي منصل وفؤاد
شبهان من قلم ومن صمصامة ... شهرا ليوم ندى ويوم جلاد
وما وقفت في هذا المقام موقفا وحشيا، ولا وقع عندها موقعا أجنبيا، بل اقتفت آثار أسلاف خفقت عليهم ألوية المعالي وبنودها، ووسمت بأسمائهم جباه الممالك وخدودها، وتحيف الكرم أموالهم وهي أثيثة الجناح، وذللت عزائمهم من النّوب وهي شديدة الجماح:
كتّاب ملك يستقيم برأيهم ... أود الخلافة أو أسود صباح
بصدور أقلام يردّ إليهم ... شرف الرياسة أو صدور رماح
قد كان العبد خدم المجلس السامي بخدمة قصرها على [3] التهنئة بما فتح الله تعالى من الظفر بالعدو الذي أطاع شيطانه، ومدّ في مضمار الغيّ أشطانه، واتبع ما أسخط الله وكره رضوانه، وجرى الله تعالى على جميل عادته في زلزلة أطواده، واستئصال أحزابه وأجناده، الذين غدت الرماح تستقي مياه نحورهم، والسيوف تنتهب ودائع صدورهم، والحمام يجول عليهم كلّ مجال، ويستدني إليهم نوازح الآجال:
ما طال بغي قطّ إلا غادرت ... فعلاته الأعمار غير طوال
فتح أضاء به الزمان وفتّحت ... فيه الأسنة زهرة الآمال
وأرجو أن يكون التوفيق قضى بوصولها، وأذن في قبولها، فيمتدّ ظل، ويثري مقلّ، ويصوب عارض مستهل:
أيعجز فضلك عن خادم ... وأنت بأمر الورى مستقل