السيوف والأقلام، حتى لا يبقى على الأرض مفحص قطاة إلا وقد دوخها سنابك خيولها، ولا مسقط نواة إلّا وقد ركزت فيه صدور رماحها ونصولها.
فقد دفعت- أدام الله جمال الدنيا ببقائها، وأعز كمال الدين ببأسها وأصالة رائها- خطبا جسيما، واستلقحت من السياسة أمرا عقيما، وأعادت شمل الأمة ملموما نظيما. ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء وكان فضل الله عليك عظيما. فأما العبد المملوك فقد تلاعبت به أيدي الأقدار، وقذفته العطلة في هوّة بعيدة الأقطار، وهو يعد نفسه ويوفيها، ويسوّفها ويمنيها، أنّ مراحم الحضرة- نصر الله أعلامها- تعيد كساد بضاعته نفاقا، واضطراب حاله انتظاما واتساقا، وسكون ريحه خفوقا، وغروب حظه شروقا، إن شاء الله تعالى.
وكتب الى بعض إخوانه: أغبّ كتاب مولاي حتى أضرم نارا في الفؤاد، وحالف بين جفني والسهاد:
ثم وافى بلفظه الرائق العذ ... ب وأغنى عن الزلال البرود
وقرأته متنزها ... في روضه وغديره
جمع البلاغة كلّها ... تختال بين سطوره
فالدرّ في منظومه ... والسحر في منثوره
وعرفت ذكر الشوق الذي هيّج أحزانا، ونكأ قرحا لا يندمل زمانا، وإن عندي بشهادة الله ما يضرم ناره، ويشب أواره، والله تعالى يسهل من ألطافه الخفية ما يجمع الشمل، ويصل الحبل، ويقرّب الدار، ويدني المزار، بمحمد وآله والأئمة الأطهار. وأما حالي بعده، وارتياحي إلى ما عنده، وتأسفي على الفائت من أخلاقه التي هي من الحسن أدقّ، ومن الماء أصفى وأرقّ، فحال صبّ أخذ ما في فؤاده، وحولف بين طرفه وسهاده، فحرم لذلك لذيذ رقاده. وأما عتبه عليّ لتأخّر كتبي عنه، وبعدها منه، فهو يعلم- حرس الله مدته- أنني إذا واصلت أو أغببت، أنه سمير خاطري، وإن غاب عن ناظري، وهو نازل بضمائري، وإن بان من بين مخالطي ومعاشري: