اقتحمت، وإن رمت منها فرجة تضايقت والتحمت. وأما الوحشة فقد اصطبحت منها كأسا مترعة، وتجرعت من صابها أمرّ جرعة. ورأيت فؤادي إذا مرّ ذكر مولانا به [1] يكاد يخرج من خدره، ويرغب في مفارقة صدره، حنينا يجدّده السماع، وصدودا تنتقض منه الأضلاع، وزفرة تدمي في عذارها، ويطلع في الترائب شرارها:

أداري شجاها كي تخلّي مكانها ... وهيهات ألقت رحلها واطمأنت

وأما ما أعاني بعد مسيره فأشياء منها عيث الألم مرة بعد مرة [2] ، وزوال الاستمتاع بما يعرفه من تلك المسرة؛ ومنها اضطراري إلى كثرة مكاثرة من أعلم دخل سرائره، واختلاف باطنه وظاهره، وتكلف اللقاء له بصفحة مستبشرة، وأخلاق غير متوعرة.

والله يعلم نفور طباعي ممن رآه أهل الأدب من الأدب غفلا، ومن ذخائره مقفلا، لكن السياسة تقتضي اعتماد ما ذكرت، وتوجب قصد ما شرحت، وإن كان موردا غير عذب، وثقيلا على العين والقلب:

ولربما ابتسم الفتى وفؤاده ... شرق الضلوع برنّة وعويل

ومنها انعكاس كثير من الآمال، وارتشاف الزمن [3] الصبابة الباقية من الحال، بجوائح مصرية وشامية، وفوادح أرضية وسمائية. ولا أشكو بل أسلّم له مذعنا، وأرى فعله كيف تصرفت الأحوال جميلا حسنا:

ومن لم يسلّم للنوائب أصبحت ... خلائقه طرّا عليه نوائبا

والله تعالى المسؤول أن يهب لي من قرب مولاي ما يأسو هذه الكلوم، ويجدد من المسرّة عافي الرسوم، فجميع الحوادث، وسائر النوائب الكوارث، إذا قربت الخطوة، واستجيبت هذه الدعوة، تمسي غير مذكورة، وبجناح التجاوز مكفورة.

وكتب [4] إلى أبي الفرج الموفقي جوابا عن رقعة: وصلت رقعة مولاي والصبح

طور بواسطة نورين ميديا © 2015