قد سل على الأفق مقضبه، وأزال بأنوار الغزالة غيهبه، فكانت بشهادة الله صبح الآداب ونهارها، وثمار البلاغة وأزهارها، قد توشحت بضروب من الفضل تقصر [1] قاصية المدى، وتجري به في مضمار الأدب مفردا:
فكأن روض الحزن تنشره الصبا ... ما ظلت من قرطاسها أتصفح [2]
فأما ما تضمنته من وصفي فقد صارت حضرته السامية تتسمح في الشهادة بذلك مع مناقشتها في هذه الطريقة، وأنها لا توقع ألفاظها إلا مواقع الحقيقة، فإن كنت قد بهرجت عليها فلتراجع نقدها، تجدني لا أستحق من ذلك الإسهاب فصلا، ولا أعدّ لكلمة واحدة منه أهلا. وبالجملة فالله ينهضني بشكر هذا الانعام الذي يقف عند الثناء ويظلع، ويحصر دونه الخطيب [3] المصقع:
هيهات تعيي الشمس كلّ مرامق ... ويعوق دون منالها العيّوق
وأما الفصل الذي أودعه الرقعة الكريمة من قوله: «فأما فلان فيحلّ في قومه ويفرح بالضيوف فرح حنيفة بابن الوليد، قدوره عمارية، وعطسات جواريه أسدية، تراهنّ أبدا يمشين [4] في حلل الشباب ويهوين لو خلق الرجال خلق الضباب، يتضوّعن النشر العبقسي، ويرضعن مراضع ثعالة المجاشعي» وما أمرت حضرته السامية من ذكر ما عندي فيه، فقد تأمّلته طويلا وعثر الخادم فيه بما أنا ذاكره، راغبا في الرضى بما بلغت اليه المقدرة، وتجليل ذلك بسجوف الصفح.
أما قوله: «يفرح بالضيوف فرح حنيفة بابن الوليد» فيقع لي أنه أراد خالد بن الوليد المخزومي، وذلك أن مسيلمة الحنفي كان قد تنبأ بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحديثه مشهور، فبعث إليه أبو بكر رضي الله عنه خالد بن الوليد المقدم ذكره في جيش كثيف من المسلمين، ففتح اليمامة وقتل مسيلمة وأباد جماعة كثيرة من بني حنيفة.