جمعت البصريين والكوفيين والبغداديين والخراسانيين والحجازيين واليمنيين والمصريين والشاميين والمغربيين وغيرهم على اختلاف البلدان، وتفاوت الأزمان، حسب ما اقتضاه الترتيب، وحكم بوضعه التبويب، لا على قدر أقدارهم في القدمة والعلم، والتأخر والفهم.

وابتدأته بفصل يتضمن أخبار قوم من متخلّفي النحويين والمتقعرين المجهولين.

وإني لجدّ عالم ببغيض يندّد ويزري عليّ، ويقبل بوجه اللائمة إليّ، ممن قد أشرب الجهل قلبه، واستعصى على كرم السجيّة لبّه، يزعم أن الاشتغال بأمر الدين أهم، ونفعه في الدنيا والآخرة أعم [1] ؛ أما علم أن النفوس مختلفة الطبائع، متلونة النزائع؟ ولو اشتغل الناس كلّهم بنوع من العلم واحد لضاع باقيه، ودرس الذي يليه. وإن الله جل وعز جعل لكلّ علم من يحفظ جملته، وينظم جوهرته، والمرء ميسّر لما خلق له. ولست أنكر أني لو لزمت مسجدي ومصلّاي، واشتغلت بما يعود بعاقبة دنياي في أخراي [لكان] أولى، وبطريق السلامة في الآخرة أحرى، ولكنّ طلب الأفضل مفقود، واعتماد الأحرى غير موجود. وحسبك بالمرء فضلا أن لا يأتي محظورا، ولا يسلك طريقا مخطورا [2] .

[وقال السري الرفاء:

كن للعلوم مصنّفا أو جامعا ... يبقى لك الذكر الجميل مخلدا

كم من أديب ذكره بين الورى ... غضّ وقد أودى به ذكر الردى

وأرى الأديب يهابه أعداؤه ... وتعدّه السادات فيهم سيدا

ينسى الأواخر والأوائل كلهم ... إلا أخا العلم الذي حاز المدى

وقال بعض الأدباء:

أرى العلماء أطولنا حياة ... وإن أضحوا رفاتا في القبور

طور بواسطة نورين ميديا © 2015