وكنت قد شرعت عند شروعي في هذا الكتاب، أو قبله، في جميع كتاب في «أخبار الشعراء» المتأخرين والقدماء. ونسجتها على هذا المنول، وسبكتها على هذا المثال في الترتيب، والوضع والتبويب، فرأيت أكثر أهل العلم المتأدبين، والكبراء المتصدرين، لا تخلو قرائحهم من نظم شعر، وسبك نثر، فأودعت ذلك الكتاب كلّ من غلب عليه الشعر فدوّن ديوانه، وشاع بذلك ذكره وشانه، ولم يشتهر برواية الكتب وتأليفها، والآداب وتصنيفها. وأما [1] من عرف بالتصنيف، واشتهر بالتأليف، وصحّت روايته، وشاعت درايته، وقلّ شعره، وكثر نثره، فهذا الكتاب عشّه ووكره، وفيه يكون ثناؤه وذكره، واجتزىء به عن التكرار هناك، إلا النفر اليسير الذين دعت الضرورة إليهم، ودلّت [2] عنايتهم بالصناعتين عليهم. ففي هذين الكتابين أكثر أخبار الأدباء، من العلماء والشعراء. وقصدت بترك التكرار، خفّة محمله في الأسفار، وحيازة ما أهواه من هذا النشوار.

وجعلت ترتيبه على حروف المعجم: أذكر أوّلا من أوّل اسمه ألف، ثم من أول اسمه باء ثم تاء ثم ثاء إلى آخر الحروف، وألتزم ذلك في أول حرف من الاسم وثانيه وثالثه ورابعه، فأبدأ بذكر من اسمه آدم، ألا ترى أن أوّل اسمه همزة ثم ألف، ثم من اسمه إبراهيم لأن أول اسمه ألف وبعد الألف باء، ثم كذلك إلى آخر الحروف، وألتزم ذلك في الآباء أيضا فاعتبره، فإنك إذا أردت الاسم تجد له موضعا واحدا لا يتقدم عليه [3] ولا يتأخر عنه اللهم إلا أن تتفق أسماء عدة رجال وأسماء آبائهم فإن ذلك مما لا حصر فيه إلا بالوفاة، فإني أقدّم من تقدّمت وفاته على من تأخّرت.

وأفردت في آخر كلّ حرف فصلا أذكر فيه من اشتهر بلقبه أو نسبه أو كنيته وخفي عن أكثر الناس اسمه فأذكر من لقبه [4] على ذلك الحرف، من غير أن أورد شيئا من أخباره فيه، إنما أدلّ على اسمه واسم أبيه لتطلبه [5] في موضعه.

ولم أقصد أدباء قطر، ولا علماء عصر، ولا إقليم معيّن، ولا بلد مبيّن، بل

طور بواسطة نورين ميديا © 2015