وهي نفسها خاوية منه أو غير ممتلئة به حتى أعماقها (?). وأول ما يسقط من دعاوي المغرضين في هذا الشأن ـ لفرط هشاشته ـ قول من قال إن الدوافع الاقتصادية هي التي دفعت حركة الفتح الإسلامي! إن الذي تحركة الدوافع الاقتصادية لا يخرج ليدعوا الناس ـ أول ما يدعوهم ـ إلى الإسلام، فإن أسلموا ألقى سلاحه وعانقهم كما يعانق الأخ أخاه، وأخذ يعلمهم تعاليم الإسلام ليشاركوه في الخير الرباني الذي هداه الله إليه، فأصحاب هؤلاء الفرية يفترون الكذب على التاريخ (?)، وتسقط الدعاوى الأخرى تباعاً وتبقى حقيقة مهمة هي أن هذه الحركة لا يمكن أن تأخذ صورتها التي أخذتها بالفعل، إلا أن تكون صادرة عن أمة ممتلئة بهذا الدين حتى أعماقها، حريصة عليه، مؤمنة به، راغبة فيه، راغبة في نشره في آفاق الأرض، فالقوة وحدها لا تفسر ما حدث في هذه الحركة من العجائب، فكم استخدمت القوى الطاغية في الأرض قوتها للتوسع في الأرض، فلم تصنع ما صنعته الحركة الإسلامية.

إن السيف، يمكن أن يفتح الأرض، ولكنه لا يفتح القلوب، والذي حدث في حركة الفتح الإسلامي لم يكن مجرد التوسع في الأرض، إنما كان فتح القلوب لتعتنق الإسلام، وكان ـ في كثير من الأقطار اتخاذ لغة الدين لغة رسمية، ونسيان الشعوب المفتوحة ما كانت تستعمله من قبل من اللغات، حتى الذين بقوا على دينهم بغير إكراه لو لم يكن الفاتحون مسلمين حقاً، بمعنى الإيمان بهذا، وممارسته في عالم الواقع والتمكن منه عقيدة وسلكاً وحركة، ما حدثت هذه العجائب في الفتح الإسلامي وأمر آخر يتعلق بهذه القوة ذاتها إنها في غالب الأحيان لم تكن هي الأكبر عدداً وعدة وخبرة حربية ... ، إنما كان العدد والعدة والخبرة في الجانب الآخر، جانب الذين انهزموا أمام قوة المسلمين، فلو لم يكن هناك عنصر آخر غير مادي ـ في جانب الفاتحين ما تمكنوا من التغلب على أعدائهم الذين يفوقونهم في فنون الحرب، كما يفوقونهم في العدد والعدة سواء، ذلك العنصر هو العقيدة الحية التي تملأ القلوب وهذه هي الدلالة التي نركز عليها هنا في وجه الدعاوي التي تقول إن انحرافات بني أمية قضت على هذا الدين وهو بعد في المهد وتلك نقطة ينبغي أن نقف عندها طويلاً حتى نقومها في نفوس الدارسين، ينبغي أن نلغي من حسهم ذلك الإيحاء الخبيث بأن الإسلام قد انتهى بعد الخلافة الراشدة ولم يعد له وجود،

طور بواسطة نورين ميديا © 2015