ويكون ذلك بعرض الواقع الإسلامي بأمانة كاملة ودقة كذلك .. وسيتبين لنا بالحساب، حساب مجموع الانحرافات ومجموع الاستقامات أن الحصيلة المتبقية ضخمة جداً رغم وجود الانحراف. ويكون هذا بالتالي فرصة سانحة لتقدير عظمة هذا الدين وضخامته، وأصالة جذوره في التربة وتعمقها، بحيث تبقى هذه الحصيلة الضخمة وتبقى تلك الحيوية، التي تسعى لنشر الدين في الأرض بكل الإصرار والتدفق والحماسة التي قام بها المسلمون في العهد الأموي بالذات (?).

وأما ما حدث من الهبوط عن مستوى الذروة فقد حدث ولا شك على درجات متفاوتة في بعض أفراد المجتمع، أو قل إن شئت في كثير منهم، وهذا لا يعتبر في ذاته انحرافاً إنما هو الأمر المتوقع بعد غياب شخص الرسول، صلى الله عليه وسلم عن ذلك المجتمع، وبعد زوال أثر النشأة الجديدة من نفوس الناس، فنحن الآن لسنا في العهد الذي شهد التحول العظيم من الجاهلية إلى الإسلام، إنما العصر الذي يليه، ولكن فلنذكر جيداً تزكية رسول الله صلى الله عليه وسلم لذلك الجيل من الناس: خيركم قرني ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم (?). فنحن إذن ما زلنا مع القرون المفضلة، وليس بعد شهادة رسول الله، صلى الله عليه وسلم شهادة بشر (?)، صحيح أننا الآن مع المستوى العادي للإسلام، ولكنا ـ ذلك المستوى رفيع في ذاته، وإن لم يكن على مستوى الذروة التي وصل إليها الجيل الفريد، وأنه يحقق للناس من

الخير حين يلتزمون به ما لا يحققه نظام آخر (?)، والحق أنه قد بقي في مجتمع بني أمية أفراد على المستوى الرائع، بل لم يخل جيل من أجيال المسلمين كلها ـ حتى في عصور الانحطاط ـ من نماذج متفرقة على ذلك المستوى الرفيع، إنما الملحوظة أن كثافة تلك النماذج في مجتمع الذروة كانت فذة بصورة غير عادية، ثم ظلت تخف تدريجياً مع مرور الزمان (?).

إن استئناف حركة الجهاد في عهد معاوية لم يكن بدعة على سياسته فقد استمد كثيراً من الشهرة العريضة والمكانة العريضة من كفايته كوال على بلاد الشام وهي جبهة واسعة من جبهات الجهاد، ومن شهرته كمجاهد موفق في البر والبحر منذ عهد أبي بكر وعمر وعثمان رضي الله عنهم، وكان له فتوحاته الكبرى في الساحل الشمالي للشام، كما أن له الفضل ـ بعد الله ـ في تأسيس البحرية الإسلامية وهزيمة الروم في البحر وانتزاع السيادة منهم لأول مرة في تاريخ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015