الناس، أو في الفترة انقلب فيها الناس على سلطانهم ورفضوا الخضوع للدين (?)،

وفي مقابل ذلك كان الإنسياح الإسلامي في الأرض فريداً في التاريخ، شيئاً غير التوسع ((الإمبراطوري)) الذي مارسته الجاهليات القديمة والحديثة، وغير الطغيان المفسد الذي مارسته النصرانية المحرفة وهي تتوسع في الأرض، في تلك الحركة الفريدة في التاريخ كان المسلمون ينشرون الهدى في مكان الضلال، والنور في مكان الظلام، والعبودية الصحيحة في مكان العبوديات الزائفة للحكام والكهنة والأوثان، ويحررون المستعبدين في الأرض،

ويردون إليهم إنسانيتهم الضائعة، ويرفعونهم إلى المكان اللائق بالإنسان وكانوا ينشرون قيماً من العدل والأخوة والتسامح والتكافل لا عهد للبشرية بها من قبل ولا رأتها من بعد في غير الإسلام، وينشرون حضارة حقيقة شاملة شامخة، لا يستأثرون بها لأنفسهم، بل يفتحون أبوابها لكل مسلم في الأرض، بل يستظل بظلها النصارى في الأندلس وشرق أوربا، واليهود في مختلف بلاد العالم الإسلامي، والوثنيون عباد البقر في الهند، وكل من أراد أن يتعلم أو يمارس الحياة دون عدوان (?). لم ينهب المسلمون خيرات البلاد المفتوحة، ولم يستذلوها ليتمتعوا بالسلطان، ولم يحافظوا عليها متأخرة متدينة ليبرروا استمرار سيادتهم عليها واستعلاءهم على أهلها ... إنما دعوهم أولاً إلى الخير وهو الإسلام ـ فإن استجابوا فهم إخوة في الدين .. وإن أبوا طلبوا منهم جزية تدل على عدم مقاومتهم للخير المنزل من السماء أن يصل إلى قلوب الناس صافياً بلا غش، فإن أبوا هذا وذاك فعندئذ يقع القتال، لا لإكراه أحد على اعتناق الإسلام، إنما لإزالة مراكز القوى التي تمنع الحق أن يصل إلى الناس على حقيقته .. فإذا أزيلت مراكز الطغيان، وزال تأثيرها على النفوس، ترك الناس أحراراً في ظل الإسلام، يعتنقون ما يشاءون (?).

أن حركة الفتح الإسلامي: دوافعها وخصائصها، وآثاره الواقعة لهي فصل أساسي في كتابة التاريخ الإسلامي، لابد أن يعالج باستفاضة لدحض مزاعم المستشرقين ومن يتتلمذ عليهم من بعض المؤرخين العرب وغيرهم .. وإن كنا نورده هنا من زاوية معينة: هي دلالتها على مدى عمق الوجود الإسلامي في نفوس الأمة التي تتحرك به، ولن تتحرك به أمة هذه الحركة الواسعة السريعة الفعالة المؤثرة

طور بواسطة نورين ميديا © 2015