وجهل أكثر من حلمي، أو عورة لا أواريها بستري، أو إساءة أكثر من إحساني (?)، وكان أحياناً يتمثل بهذه الأبيات:
تعفو الملوك عن الجليل من الأمور بفضلها
ولقد تعاقب في اليسير وليس ذاك لجهلها
إلا ليعرف فضلها ويخاف شدة نكلها (?)
كانت أم سنان بنت خيثمة المذحجية من أنصار أمير المؤمنين علي رضي الله عنه وفي عهد معاوية قدمت على دمشق واستأذنت عليه فأذن لها، فانتسبت له فعرفها، وأمرها بالجلوس، فلما جلست قال لها: مرحباً يا ابنة خيثمة، ما أقدمك أرضنا وقد عهدتك تبغضين قومي، وتحضّين عليَّ عدوى؟ قالت: يا أمير المؤمنين، إنّ لبني عبد مناف أخلاقاً طاهرة، وأعلاماً ظاهرة، وأحلاماً وافرة، لا يجهلون بعد علم، ولا يسفهون بعد حلم، ولا يتعقبون بعد عفو، وإنَّ أولى النَّاس باتباع سنن آبائه لأنْتَ. قال معاوية ـ رضي الله عنه ـ صدقتِ يا أم سنان، نحن كذلك ثم سادت فترة صَمْتٍ، قطعها بسؤال لأمّ سنان يذكرها فيها بشعرها وتحريضها عليه، فقال لها: كيف قولك:
عَزبَ الرقاد فمقلتي ما ترقد ... والليل يُصدر بالهموم ويورد
يا آل مذحج لا مُقام فشمّروا ... إن العدوَ لا أحمد يقصد
هذا عليُّ كالهلال تحفُّهُ ... وسْطَ السماء من الكواكب أسعد
ما زال مُذْ شهد الحروب مظفراً ... والنّصرُ فوق لوائه ما يُفقد
وكانت أمّ سنان ـ رحمها الله ـ تصغي لما ينشده معاوية من شعرها، ولما انتهى قالت له: قد كان ذلك يا أمير المؤمنين، وإنَّا لنطمع أن تكون لنا خلفاً بعده، فمثلك جدير بذلك وقبل أن يتكلم معاوية بكلمة، قال رجل من جلسائه: كيف يا أمير المؤمنين، وأنا أحفظ من شعرها خلاف ما تقول لك الآن فهي القائلة:
إما هلكت أبا الحُسين فلم تزل ... بالحق تُعرف هادياً مهديا
فاذهب عليك صلاة ربك ما دعت ... فوق الغُصون حمامة قمريا