فاليوم لا خلف يؤمّل بعده ... هيهات نمدح بعده إنْسِيا (?)
عندئذ قالت أمُّ سنان وعلائم الحزم والصِّدقِ ترتسم على وجهها وهي تعّرضُ بجلسائه: يا أمير المؤمنين، لسان نطق، وقول صدق، ولئن تحقّق فيك، ما ظننّا فحظُّك الأوفر، والله ما ورّثك الشَّناءة ـ البغض ـ في قلوب المسلمين إلا هؤلاء ـ وأشارت إلى بعض جلسائه، فادحض مقالتهم، وابعد منزلتهم، فإنك إن فعلت ذلك ازدت من الله عز وجل قرباً ومن المسلمين حباً. وتعجب معاوية مما تقول، فقطع عليها مقالتها قائلاً: وإنّك لتقولين ذلك يا أم سنان؟
قالت: سبحان الله يا أمير المؤمنين، والله ما مثلك مدح بباطل، ولا اعتذر إليه بكذب، وإنك لتعلم ذلك من رأينا وضمير قلوبنا، كان والله عليُّ ـ رضي الله عنه ـ أحب إلينا منك إذ كان حياً، وأنت أحبّ إلينا من غيره إذ أنت باق. فسألها معاوية: وممن أنا أحب إليكم ما دمت باقياً؟ فقالت: يا أمير المؤمنين، أنت أحبّ إلينا من مروان بن الحكم وسعيد بن العاص. قال: وبم استحققت بذلك عليهما؟. قالت بحسن حلمك، وكرم عفوك (?). وبعد حديث انتهى الحوار، سألها: ما حاجتك الآن يا أم سنان؟ فسألته حاجتها في حفيدها بالمدينة أن يفك أسره، فلبى معاوية طلبها، وأكرمها ووصلها وردّها إلى المدينة، وقد قضيت حاجتها، وكان لسانها يلهج بالدعاء لمعاوية (?). هذه أمُّ سنان المذحجيّة، إحدى نساء عصر التابعين وممن فُطرت نفسها على الصَّفاء والصَّراحة، وأوتيت شطراً من البلاغة والحكمة ما جعلها في سجل
ناصع يحكي خلودها وخلود أمثالها (?) ولم تكن أم سنان المذحجية وحدها التي كانت تعبر عن رأيها، وتتكلَّم بوضوح عن معتقداتها، بل كانت مثيلاتها كثير مثل، الزرقاء بنت عدي (?)، وأم الخير بنت الحريش (?)، لقد كان معاوية رضي الله عنه، يجرّيء الناس على الصدع بمعتقداتهم وآرائهم، ويشجعهم على حرية الرأي والتعبير وحق النقد والمعارضة السلمية.