غضب عليه صاحب الأجر. فقال معاوية: ماشاء الله (?)، فانظر كيف حث أبو مسلم الخولاني معاوية رضي الله عنه على الاهتمام بأمر الرعية وحذره من التهاون أو التفريط في إصلاح شؤونهم وذلك عن طريق ضرب المثل تقريباً للصورة وتشبيهاً للحال (?)، وهناك موقف عملي آخر لأبي مسلم الخولاني مع معاوية أيضاً، وذلك عندما صعد معاوية المنبر ـ وكان قد حبس العطاء ـ فقام أبو مسلم وقال له: لم حبست العطاء يا معاوية؟ إنه ليس من كدك ولا من كد أبيك، ولا كد أمك حتى تحبس العطاء، فغضب معاوية غضباً شديداً، ونزل عن المنبر، وقال للناس مكانكم، وغاب عن أعينهم ساعة ثم عاد إليهم فقال: إن أبا مسلم كلمني بكلام أغضبني، وإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: الغضب من الشيطان، والشيطان خلق من نار، وإنما تطفأ النار بالماء، فإذا غضب أحدكم فليغتسل (?)
وإني دخلت فاغتسلت وصدق أبو مسلم: إنه ليس من كدي ولا كد أبي، فهلموا إلى أعطياتكم (?).
هجا الفرزدق معاوية وافتخر عليه بنسبه وآبائه وذلك لغرض شخصي، حيث أعطى معاوية عم الفرزدق الحتات بن يزيد المجاشعي، وكان ضمن (وفد أتي معاوية) جائزة أقل من الآخرين، ولما مات الحتات بن يزيد المجاشعي، في الطريق أخذ معاوية تلك الجائزة وردها إلى بيت المال، فقال الفرزدق يخاطب معاوية:
فلو كان هذا الأمر في جاهلية ... علمت من المرء قليل جلائبه
ولو كان هذا الأمر في غير ملككم ... لأبديته أو غص بالماء شاربه
وكم من أب لي يا معاوي لم يكن ... أبوك الذي من عبد شمس يقاربه
فما زاد معاوية على أن بعث إلى أهل الحتات بجائزته (?)
وقد ظفر معاوية بتقدير زعماء المسلمين من أبناء الصحابة رغم نقد بعضهم المرير له، وكان كثيراً ما يقول: إني لأرفع نفسي أن يكون ذنب أعظم من عفوي،