ولكن مهما يك من شيء فإنه لا ينبغي الإكثار من الشكوى، ولا بثها لكل أحد؛ لأنها -في الغالب - لا تجدي نفعًا، ولا تطفئ لوعة.
ولهذا رأى بعض السلف رجلًا يشكو إلى رجل فاقته وضرورته، فقال: يا هذا، والله ما زدت على أن شكوت من يرحمك إلى من لا يرحمك. (?)
وإذا عرتك بليةٌ فاصبر لها ... صبر الكريم فإنه بك أعلم
وإذا شكوت إلى ابن آدم إنما ... تشكو الرحيم إلى الذي لا يرحم
ثم إن كان هناك من حاجة لبث الشكوى لأحد المخلصين، أو لمن يهمهم الأمر؛ طلبًا للنصيحة، أو المشورة، أو إصلاح الوضع وتيسير المهمة -فلا بأس.
وإلا فلماذا نثير انتباه الذين لا يعنيهم أمرنا، ولا ننتظر منهم أي فائدة لنا؛ فنفضح بذلك أنفسنا، ونُبِيْن عن ضعفنا وخورنا في سبيل الحصول على شفقة، أو عطف ليس له من نتيجة سوى ازدياد الحسرة، وتفاقم المصيبة. (?)
فيا معاشر المعلمين، أولى لنا ثم أولى أن نَجِدَّ في أمورنا، وأن نأخذ بالأسباب المعينة لنا على أداء أعمالنا؛ فذلك أنفع من الشكوى التي قد تزري بنا، ولا تنفعنا.
ثم إنكم -معاشر المعلمين - رجال، ومتى رغب الرجال في راحة البال؟ وإنكم لأسُودٌ، ومتى عاش الأسَد على التدليل، وهو يشعر أن التدليل تذليل؟ (?)