ويتبين من ذلك فداحة الخطأ الذي جعل ابن مسكويه يعبر عن تصوراته بأسلوب اليونان، فيجعل من مداومة التفكير وملازمته والنظر في الموجودات ما قد يصل بالإنسان إلى درجة (النبي) ؛ لأنه قد لاحت له الأمور الإلهية، بل في المنزلة الأولى، وهذا يعني لو قال شخص: أنا طبقت ما قاله ابن مسكويه ولاحت لي الأمور الإلهية وأرى أن تعملوا كذا وكذا وتمتنعوا من كذا وكذا، وأنتم على خطأ في كذا وكذا وعلى صواب في كذا، وفهمت من الرسالة التي جاء بها محمد صلى الله عليه وسلم كذا، وأنتم في هذا على خطأ ـ والعياذ بالله ـ فإنه ينبغي أن يصدق حسب ما قاله ابن مسكويه.

ونجد أن الذي حدا بابن مسكوية إلى هذا الخطأ أخذه بفلسفة اليونان الضالة التي تترك للعقل خياله وعنانه دون قيود شرعية. قال تعالى: {وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدىً مِنَ اللَّهِ} 1.

إن تكافؤ النبي والفيلسوف من حيث المعرفة والمرتبة لا يوافق عليه أهل أي دين فضلاً عن أنه يمهد السبيل منطقياً إلى القول باكتساب النبوة، وفتح بابها لجميع الناس، وهذا يتناقض أساساً مع المبدأ القائل بأن النبوة اختصاص واصطفاء إلهي لأنفس مخصوصة للقيام بمهمة الهداية والإرشاد وتبليغ الأوامر، وليست راجعة إلى شخصية النبي أو الدرجة العلمية التي يحصل عليها 2.

ومن صور إلصاق الفلسفة بالإسلام استخدام هذا المصطلح دون مضمونه وما يرمز إليه من معانٍ ودلالات، تحت اسم: فلسفة التربية، والفلسفة الإسلامية للتربية، والأصول الإسلامية لفلسفة التربية، وقد تستخدم بمعنى وجهة النظر الإسلامية، ولكن الحقيقة إنّه لا حاجة لهذا المصطلح البتة؛ لأنه يحمل في طياته

طور بواسطة نورين ميديا © 2015