إن ولوج الفلسفة في المجتمعات، وشغف البعض بها، جعلهم يقعون في حبائلها، فجثمت أفكارها عليهم، الأمر الذي جعلهم منقادين لها، لا يرون إلا بعينها، ولا يسمعون إلا بأذنها، وجعلوها وسيلتهم للوصول إلى غاياتهم، ثم حاول البعض منهم أسلمت تلك المبادئ، فبدأت التأويلات والتفسيرات تطرق هذا الباب بسمومها القاتلة. وأصبحت تلك الأفكار تدرس في وسائط التربية، ووضعت لها المناهج التي احتوت على العديد من الأخطاء الفادحة التي لا تتفق مع العقيدة الإسلامية، لعدم توافق وتواءم الهدى مع الضلال، والحق مع الباطل.
ومبادئ الضلال لها تأثيرها الفاسد على الفكر البشري، كونها تتنافر مع العقيدة الإسلامية الصافية؛ ولذلك لم تنسجم معها، وحصلت أخطاء جسام عند من حاول إدخال الفلسفة على الإسلام، وهذه نماذج توضح ذلك:
يرى ابن مسكويه: أن الإنسان نفسه لا يزال يترقى ويزداد ذكاء، وصحة في التفكير وجودة في الحكم حتى يبلغ الأفق الأعلى الذي يتعرض به لإحدى منزلتين، إما أن يديم النظر في الموجودات ليتناول حقائقها فتلوح له الأمور الإلهية. وإما أن تأتيه تلك الأمور من الله تعالى من غير سعي منه، وصاحب المنزلة الأولى هو (الفيلسوف) وصاحب المنزلة الثانية هو النبي الذي يتلقى فيضاً من الله تعالى، فإذا التقى من وصل من أسفل بالتفلسف ومن تلقى من أعلى بالفيض اتفق رأيهما وصدق أحدهما الآخر بالضرورة لاتفاقهما في تلك الحقائق 1.