قواعد مهمة تتعلق بتوحيد الألوهية مع الأمثلة

لما كان توحيد الإلهية من الأهمية بمكان اخترنا كتاباً مهماً يتكلم عن هذه المسألة، وهو كتاب (المسائل التي خالف فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم أهل الجاهلية).

وسنأخذ مختارات مهمة جداً مركزة في توحيد الإلهية من هذا الكتاب، وقبل أن أبدأ في الكلام على الجاهلية والفرق بينها وبين الإسلام أقعد قواعد مهمة؛ لأن كل مسائل التوحيد الإلهية ستتعلق بها.

القاعدة الأولى: كل ما ثبت في الشرع أنه عبادة فصرفه لله توحيد، وصرفه لغير الله شرك.

يعني: أن كل عبادة ثبت في الشرع أنها عبادة فصرفها لله من كمال التوحيد، بل من أصل التوحيد، وصرفها لغير الله من الشرك بمكان، فمثلاً: الذبح عبادة، والدليل قوله تعالى: {فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ} [الكوثر:2]، وجه الدلالة على أنه عبادة أن قوله: ((وَانْحَرْ)) أمر، والله جل وعلا لا يأمر إلا بما يحب، والعبادة: هي اسم جامع لكل ما يحبه الله ويرضاه.

ووجه الدلالة أيضاً أن النحر اقترن بالصلاة، والصلاة عبادة، فكذلك النحر، لكن دلالة الاقتران يمكن أن ينازع فيها؛ لأنها دلالة ضعيفة، وعلى كل الاستدلال الأول لا منازع فيه، فالنحر عبادة؛ لأن الله لا يأمر إلا بما يحب، فإذا ثبت في الشرع أنها عبادة، فصرفها لله توحيد، وصرفها لغير الله شرك، فمن ذبح لغير الله فقد أشرك، من ذبح للبدوي أو لـ عبد القادر الجيلاني، أو لـ أبي العباس، أو لـ أبي الدرداء أو للأولياء فقد أشرك، ومن أفرد الذبح لله جل في علاه فقد وحد.

مثال آخر على القاعدة الأولى: النذر عبادة، فصرفها لله توحيد، وصرفها لغير الله شرك، والدليل على أن النذر عبادة قوله تعالى: {وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ} [الحج:29].

وجه الدلالة: أن الله مدح الوفاء بالنذر في الآية، والله لا يمتدح إلا العبادة، سواء كانت مستحبة أو واجبة، فهنا ثبت بالشرع أنها عبادة، فصرفها لله توحيد وصرفها لغير الله شرك، فالنذر للسيدة زينب مثلاً عند نجاح الابن شرك؛ لأنه صرف عبادة لغير الله، لكن من نذر لله جل وعلا أن يصوم إذا نجح ابنه، فهذا النذر توحيد؛ لأنه صرفه لله جل في علاه.

القاعدة الثانية: من اتخذ سبباً لم يشرعه الله سبباً مع تمام اعتقاده في الله، فقد أشرك شركاً أصغر، ومن اعتقد في السبب فقد أشرك شركاً أكبر.

ونذكر مثالاً على هذه القاعدة لتتضح، قال النبي صلى الله عليه وسلم: (تداووا عباد الله ولا تتداووا بحرام)، والحديث صحيح.

فهنا شرع الله لنا التداوي، وجعل له سببين: سبباً شرعياً، وسبباً طبياً وهو السبب المجرب، والسبب الشرعي هو الرقية الشرعية، قال الله تعالى: {وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ} [الإسراء:82] فمن اعتقد أن الله جل في علاه هو الذي يشفي، وليس القرآن ذاته، فقد وحد الله؛ لأنه أخذ بشرع الله، واعتقد اعتقاداً جازماً بأن الله جل وعلا هو النافع الضار سبحانه وتعالى، فهذه الأسباب التي شرعها الله.

وأما الأسباب التي لم يشرعها الله جل في علاه، فذلك مثل: الرجل الذي يجعل صوفة في يده وهذه الصوفة لا تشفي طبياً، فيعتقد أن هذه الصوفة سبب من الأسباب التي يستشفي بها عند المرض، فهذه الصوفة لم يشرعها الله جل في علاه، ولم يجعلها سبباً للشفاء، فمن اتخذها سبباً فقد خالف الشرع، ووقع في الشرك الأصغر لا الأكبر.

وأما سبب كونها شركاً؛ فلقول الله تعالى: {أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ} [الشورى:21]، فيكون قد وقع في الشرك الأصغر، أو في بدعة وهي ذريعة للشرك، وليست شركاً أكبر؛ لأنه يعتقد أن النافع والضار هو الله، لكن لو اعتقد أن الصوفة تشفيه فقد اعتقد في غير الله ما لا يصح أن يكون إلا لله، فيكون واقعاً في الشرك الأكبر.

ومثل ذلك من يضع شيئاً على الحصان، ويقول: إنها تدفع العين، فإذا اعتقد أنه يدفع العين فهذا انتقل من الشرك الأصغر إلى الشرك الأكبر، لكن لو قال هو سبب لرد العين، والله هو الذي يتحكم في ذلك، فقد أشرك شركاً أصغر؛ لأنه اتخذ سبباً لم يشرعه الله جل في علاه.

مثال آخر: لو أن رجلاً ذبح على السيارة الجديدة ذبيحة دفعاً للعين، وقال: أنا أفرقها لله جل في علاه، فلو قال: ذبحنا لله ولدفع العين، فقد اعتقد أن النافع والضار هو الله جل في علاه، ولكنه اتخذ سبباً لم يشرعه الله لدفع العين، فالله شرع لدفع العين الرقية بالمعوذات، أو التبرك، بأن يقول إذا رأى ما يعجبه: بارك الله لك فيما رزقك، كما ورد في حديث صحيح: (أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر الذي يخشى أن يعين غيره أن يدعو بالبركة).

فلم يشرع الذبح لدفع العين، فمن فعله وهو يعتقد أن هذا سبب من الأسباب التي يدفع الله بها الحسد، فقد وقع في الشرك الأصغر؛ لأنه اتخذ سبباً لم يشرعه الله جل في علاه.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015