إن العلاقة بين توحيد الربوبية وتوحيد الإلهية هي علاقة استلزام، أي: أن توحيد الربوبية يستلزم توحيد الإلهية، قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ} [البقرة:21] هذا توحيد إلهية، ثم قال: {الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ * الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأَرْضَ فِرَاشًا وَالسَّمَاءَ بِنَاءً وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ} [البقرة:21 - 22]، وهذا هو اللازم، وهو الخلق للإنسان والأرض والسماء، وكأن الله جل وعلا يقول للناس: طالما أنتم أقررتم بربوبية الله، وبأن الله هو الذي خلقكم وخلق الأرض والسماء ورزقكم، فيلزمكم بهذا الإقرار أن تفردوه بالعبادة.
إذاً: فالربوبية تستلزم الإلهية، والأدلة على ذلك من الكتاب كثيرة.
فالله جل في علاه أراد أن يلزم الخصم بما أقر به، وقد ذكرت في (شرح المهذب): أن هذه قاعدة استنبطها العلماء وهي: رد المخالف إلى الأمر المتفق عليه، وإلزامه به.
فألزمهم الله بما سلموا به وهو الربوبية في المختلف فيه الذي هو الإلهية، فقال الله جل في علاه مبيناً ذلك في سورة النمل: {أَمَّنْ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ وَأَنزَلَ لَكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَنْبَتْنَا بِهِ حَدَائِقَ ذَاتَ بَهْجَةٍ مَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُنْبِتُوا شَجَرَهَا أَئِلَهٌ مَعَ اللَّهِ} [النمل:60]، فصدَّر الآية بالخلق، فيستلزم من الخلق ألا يكون هناك إله مع الله، فلابد أن تفردوه بالعبادة.
وأيضاً في سورة المؤمنون قال الله تعالى: {قُلْ لِمَنِ الأَرْضُ وَمَنْ فِيهَا إِنْ كُنتُمْ تَعْلَمُونَ * سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ أَفَلا تَذَكَّرُونَ} [المؤمنون:84 - 85]، فالله جل وعلا يبين لهم أن الذي يملك من في السماوات ومن في الأرض لابد أن تفردوه بالعبادة.
وأيضاً في الآية الثانية قال: {قُلْ مَنْ رَبُّ السَّمَوَاتِ السَّبْعِ وَرَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ * سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ أَفَلا تَتَّقُونَ} [المؤمنون:86 - 87] والتقوى هي توحيد عبادة.
والمشركون مع إشراكهم في الإلهية قد أخبر الله أنهم إذا مسهم الضر في الفلك دعوا الله مخلصين له الدين، فهم يدعون الله من دون الشركاء.
فالذين أقروا بالربوبية لم يقبل الله منهم إقرارهم بالربوبية حتى يقروا بتوحيد الإلهية.