وكثير من الناس فيهم هذه الاعتقادات الجاهلية التي تضاهي جاهلية ما قبل البعثة ومنها الضرب بالودع، كذلك الخطوط التي كانت تضرب في الأرض في القديم هي بعينها في عصرنا هذا، فبعض الناس يذهب إلى رجل ممن يدعي الولاية، وأنه ممن يخط الخطوط وأنه من أولياء الله الصالحين الذين كشفت لهم الحجب، وأرسل الله إليهم وحياً بعدما انقطع الوحي بموت رسول الله صلى الله عليه وسلم فينبئ بهذه الغيوب.
ومن الاعتقادات الباطلة أيضاً قراءة الكف وهذه من أعجب الأعاجيب، فبعد أن تركوا الخطوط على الرمال جعلوها على الأكف والأيدي، فينظر أحدهم في كف المرء فيرى هذه الخطوط المتشابكة فيقول: هذا الخط خط العمر، وهذا الخط خط الزواج، وهذا الخط خط الأولاد، ثم ينبئ بما يشتهي، وهذا العبد الذي يذهب لهذا الخطاط ليخبره بأمور من الغيوب لعل الله يبتليه بصدق هذا الرجل حتى يفتنه في دينه والعياذ بالله.
وأنا هنا أذكر هذه الصور لبيان أن حاجة الأمة بل والبشرية إلى نور النبوة أشد من حاجتها للماء والهواء، وأنه بموت الرسول وموت العالم تندرس الشريعة ويتفشى الجهل وهذا الذي حدث في هذه العصور، فبعد أن مات النبي صلى الله عليه وسلم ومات العلماء من أمثال الشيخ ابن باز والشيخ ابن عثيمين والشيخ الألباني تلك الشموس المشرقة في سماء إسلامنا، فبعد موت هؤلاء الجهابذة صارت الدنيا كلها تضطرب، وصار الناس يضرب بعضهم بعضاً في الأفكار وفي الأديان، فصار التقرب لله جل في علاه بشتى أنواعه أشواباً أو أخلاطاً؛ لأن العالم الذي تستضيء به وتستنير بعلمه لا تراه، فلما غابت شمس النبوة وقع الناس في الشرك، ثم بعث الله الرسول صلى الله عليه وسلم فأخرج الناس من الظلمات إلى النور، وبعدما مات الرسول ومات من بعده من أهل ورثه وهم العلماء تفشى الجهل وظهر في الناس ما ظهر من معتقدات فاسدة.
ومن الصور التي ضاهت الجاهلية قراءة فنجان القهوة فبعدما يشرب المرء وتبقى آثاره في الفنجان تنظر المرأة المدعية المتكهنة في الفنجان وترى الخطوط متشابكة في الفنجان وتستشعر بها أو تستلهم بهذه الخطوط ما يحدث مغيباً، فجاهلية قبل البعثة وجاهلية بعد البعثة يتقاربان وإن لم أقل يتساويان، بل لي أن أتنطع وأقول: إن جاهلية القرن الواحد والعشرين تفوقت على جاهلية ما قبل البعثة، فما حكم هذه الجاهليات التي جاء النبي صلى الله عليه وسلم بنبذها وجاء النبي صلى الله عليه وسلم بقطع دابرها.