القسم الثاني: من طلب من النجم إنزال المطر لكنه لم يعتقد أن النجم هو الذي أنزل المطر, وإنما يعتقد أن الله هو الذي ينزل المطر، والله جل وعلا بين أن هذا اعتقاد الجاهلية، فقال: {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ نَزَّلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَحْيَا بِهِ الأَرْضَ مِنْ بَعْدِ مَوْتِهَا لَيَقُولُنَّ اللَّهُ} [العنكبوت:63].
فمن اعتقد أن الله هو الذي ينزل المطر، ولكنه سأل النجم فقد أشرك شركاً أكبر، لأنه سأل غير الله.
والقاعدة عند العلماء: أنه إذا أثبت الشرع عبادة فصرفها لله توحيد ولغير الله شرك, فمن سأل غير الله فيما لا يقدر عليه إلا الله فقد أشرك.
فالسؤال عبادة، والدليل على ذلك قول الله تعالى: {وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي} [غافر:60]، فالدعاء عبادة.
وقال الله تعالى: {وَأَعْتَزِلُكُمْ وَمَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَأَدْعُو رَبِّي عَسَى أَلَّا أَكُونَ بِدُعَاءِ رَبِّي شَقِيًّا * فَلَمَّا اعْتَزَلَهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ} [مريم:48 - 49] فدعاؤهم لغير الله جل في علاه هو العبادة، وكل عبادة ثبتت في الشرع فصرفها لله توحيد؛ لأنه المستحق لها, وصرفها لغير الله شرك.
والسؤال لابد أن نصرفه لله جل في علاه, ويستثنى من ذلك أن تسأل من يقدر على أن يجيبك على السؤال.
وأما إذا سألت البدوي مثلًا أن يشفع لك عند ربك، فهو لا يستطيع على ذلك، وكذلك عبد القادر الجيلاني.
وكذلك أن تسأل النبي صلى الله عليه وسلم فتذهب إلى قبره وتقول: يا رسول الله! اشفع لي عند ربك جل في علاه, فإن الله قد أعطى النبي صلى الله عليه وسلم الشفاعة العظمى يوم القيامة، فيسأل النبي صلى الله عليه وسلم فيما يقدر عليه؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم سيذهب إلى ربه بعدما تأتيه الخلائق أجمعون, فيقولون: اشفع لنا عند ربك, فهو يقدر على ذلك، والقاعدة تنص على جواز أن تسأل غير الله فيما يقدر عليه، فكونك تسأل النبي صلى الله عليه وسلم الشفاعة وهو في قبره فهذا السؤال خطأ؛ لأن القاعدة في مسألة الاستعانة أو الاستغاثة: أنَّ كل أمر أباح الله لنا فعله، وكان جنسه عبادة فلا بد أن يضبط بثلاثة ضوابط: [حاء - حاء - قاف] أي: [حي, حاضر, قادر]، والنبي صلى الله عليه وسلم ليس بحي ولا بحاضر.
وإن كان يشكل علينا القول بأنه حي في قبره, وما من أحد يقول: السلام عليك يا رسول الله! إلا رد الله عليه روحه ليرد السلام، إذاً: فالنبي صلى الله عليه وسلم حي على الديمومة في قبره.
إذاً فالمقصود: أنه يصح ويحل سؤال غير الله في ما يقدر عليه البشر, كقول الله تعالى: {فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ} [النحل:43] أي: اسألوا العالم عن العلم أو الفتوى، وكذلك سؤال الغني أن يعطيك مالاً إن كنت فقيراً, فقد أباح لك النبي صلى الله عليه وسلم ذلك, كما قال: (لا تحل الصدقة لغني، ولا لقوي مكتسب) وغيرهما يحل له أن يسأل.
فالسؤال فيما يقدر عليه ابن آدم الحي الحاضر القادر يصح وإن كان جنسه عبادة؛ لأن الله جل في علاه أباح ذلك واستثناه من هذه العبادة.
إذاً: من اعتقد في غير الله ما لا يكون إلا لله فهذا كفر.