ثم وَرَدَ الخبر بأَنَّ طلائع بنَ رُزِّيك فارس المُسْلمين قد امتعض من ذلك، وجَمَعَ وحشد، وقَصَدَ القاهرة، وكان من أكابر الأمراء، وعَلِمَ عَبَّاس أَنَّه لا طاقة له به، فجمع أمواله وأسبابه وأهله، وخرج من القاهرة، فلما قَرُبَ من عَسْقلان وغَزَّة خرج إليه جماعةٌ من خَيَّالة الفرنج، فاغترَّ بكثرة من معه، فلما حَمَلَ فَشِلَ أصحابهُ وانهزموا، فانهزمَ هو وابنه الصَّغير، وأُسر ابنه الكبير الذي قَتَلَ ابن السَّلار مع ولده وحُرَمه وماله وكُراعه، وصار الجميع إلى الفرنج، ومَنْ هرب ماتَ من الجوع والعَطَش (?).
ووصل طلائع بن رُزِّيك إلى القاهرة، فوضع السيف فيمن بقي من أصحاب عَبَّاس، وجلس في منصب الوزارة.
قال الِمصريون: وعيسى الفائز كنيته أبو القاسم، ومولده بالقاهرة سنة أربعٍ وأربعين وخمس مئة سَلْخ ربيع الآخر، وأُمُّه أم ولد يقال لها مهج، بويع في المحرَّم من هذه السنة، وله خمس سنين.
وكان خُدَّام القَصر قد كتبوا إلى طلائع بن رُزِّيك، وهو والي قُوص وأُسوان والصَّعيد يخبرونه بقَتْلِ الظَّافر، ويستنجدونه على عَبَّاس وابنه نصر، وكتب إليه القاضي الجليس أبو المعالي عبد العزيز بن الجَبَّاب: [من الطويل]
عَدَتْنيَ (?) عن نَظْمِ القريض عوادي ... وشَفَّ فؤادي شَجْوُه المُتَمادِي
وأَرَّقَ عَيني والعيونُ هواجِعٌ ... همومٌ أَقَضَّتْ مَضْجعي ووسادِي
بمصرع أبناءِ الوَصِيِّ وعِتْرة النَّـ ... ــــــــــــــــبيِّ وآلِ الذَّارياتِ وصادِ
فأينَ بنور رُزِّيك عنهمْ ونَصرهُمْ ... ومالهُمُ مِنْ مَنْعَةِ وذِيادِ
أولئك أنصارُ الهدى وبنو الرَّدى ... وسُمُّ العِدى من حاضرين وبادِ
لقد هُدَّ ركن الدِّين ليلةَ قَتْلِهِ ... بخيرِ دليلٍ للنَّجاة وهادِ
تداركْ من الإيمانِ قبل دُثُورِهِ ... حُشاشةَ نَفْسٍ آذَنَتْ بنفاد
فقد كادَ (?) أنْ يُطْفي تألُّقَ نوره ... على الحقِّ عادٍ من بقية عادِ