وكانت أيامه مضطربة لحداثة سِنِّه، واشتغاله باللَّهو، وكان عَبَّاس الصُّنْهاجي لما قتل ابن السَّلّار وَزَرَ له، واستولى عليه، وكان له ولدٌ اسمه نصر، فأطمع نفسه في الأمر، وأراد قَتْلَ أبيه، وَدَسَّ إليه سُمًّا ليقتله، فَعَلِمَ واحترز، وأراد أن يقبض عليه، فما قَدَرَ ومنعه مُؤَيَّد الدولة أُسامة بن مُنْقذ، وقبَّح عليه ذلك وقال: إن فعلتَ هذا لم يثق بك أحد، ونَفَرَ النَّاسُ عنك. فشرع أبوه يلاطفه، وقال: عوض ما تقتلني فاقْتُلِ الظافر، فعزمه الغدر بنا، ونولي ولده وهو صبيٌّ صغير.

وكان نصر ينادم الظَّافر ويعاشِره، وكان الظَّافر يثق به، وينزل في الليل إلى داره متخفِّيًا، فنزل ليلةً إلى داره وكانت بالسيوفيين ومعه خادِمٌ له، فشربا ونام، فقام نَصرٌ، فقتله ورمى به في بئر، فلمَّا أصبح عبَّاس جاء إلى باب القَصر يطلب الظَّافر، فقال له خَدَمُ القَصر: ابنك يعرف أين هو، فَسَلْه. فقال: ما لابني به عِلْم. وأحضر أخوي الظَّافر وولد أخيه، فقتلهم صبرًا بين يديه، وأحضر أعيان الدَّوْلة، وقال: إنَّ الظَّافر ركب البارحة في مركبٍ، فانقلب به، فَغَرِقَ. ثُمَّ أخرج عيسى ولد الظَافر، فنفروا عن عَبَّاس وابنه، وثار الجند والعبيد وأهل القَاهرة، وطلبوا بثأر الظَّافر من عَبَّاس وابنه نَصر، فأخذا ما قدرا عليه من المال والجواهر، وهربا إلى الشَّام، وبلغ الفرنج، فخرجوا إليهما، وقتلوا عَبَّاسًا، وأسروا ابنه نصرًا، وقُتِلَ في السنة الآتية، وسنذكره إنْ شاء الله تعالى.

وذكر ابنُ القلانسي أَنَّ الظافر إنما قتله أخواه يوسف وجبريل وابن عمهم صالح بن حسن، وكان الظافر قد ركَنَ إليهم، وأَنِسَ بهم في وقت مَسرَّاته، فاتفقوا عليه واغتالوه، وقتلوه، وأخفوا أمره، وذلك في يوم الخميس سَلْخ صفر، وحَضَر العادل عباس الوزير وابنه ناصر الدِّين، وجماعة من الأمراء والمقدَّمين على الرَّسْمِ للسَّلام فقيل لهم: إنَّ أمير المؤمنين ملتاث الجسم. فطلبوا الدخول إليه، فَمُنِعُوا، فلجُّوا في الدُّخول بسبب العيادة، فلم يمكَّنُوا، فهجموا، ودخلوا القَصر، وانكشف أمره، فَقَتَلوا الثَّلاثة، وأقاموا ولده عيسى وهو ابنُ ثلاث سنين، ولقبوه بالفائز بنصر الله، وبايعوه وعباس الوزير، وإليه تدبير الأمور.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015