القتال، وأشرفت على الأَخْذ، ورأى الخليفةُ النَّاسَ يُقْتلون، فساءه ذلك، ورَفَعَ القتال، ورأى أَنَّ الأمر يطول، فرحل إلى بغداد في آخر ربيع الأول.
وبعث صاحبُ المَوْصِل إليهم يقول: أطلقوا الأسارى، وأنا أَشْفع فيكم. فلم يلتفتوا، فجهَّزَ الخليفةُ الوزير، فخرج إلى تكريت، ووصل الخبر أَنَّ مسعود بلال والبقش نزلا شَهرابان (?)، وأنَّ السُّلْطان محمدًا على قَصدِ بغداد، وقد كاتباه وحثَّاه على القدوم، فتمكنتِ الوَحْشة بين محمد وسنجر والخليفة، واستأذنا محمدًا في التقدُّم إلى بغداد، فأذِنَ لهما، فأَنزلا رسلان بن طُغْرلْبَك (?) من قلعة تكريت ليكون الاسمُ له -وكان محبوسًا بها- والتأم إليهم من التركمان اثنا عشرة ألف خركاة (?)، وجاء الخليفةُ بعساكره، والتقوا، فانهزمت ميسرةُ الخليفة، وضربوا على خزانته، وتتعْتَعَ القلبُ والخليفة والوزير فيه، وعلى رأس الخليفة الشَّمْسة، والمَهْدُ بين يديه، والأعلام خَلْفه، والكوسات تخفُقُ، وثَبَتَ الخليفةُ ثباتًا عظيمًا، وضَعُفَتِ الميمنةُ لما انهزمتِ الميسرة، فجاء منكوبرس وقويدان -وكانا فارسَين عظيمين- فترجَّلا، وقبَّلا الأرض للخليفة، وقالا: بالله يا أمير المؤمنين، اثبت ساعة لنقاتل بين يديك، فإنَّا إذا رأيناك قويت قلوبُنا. فقال: لا والله إلا وأنا معكما. ثم رمى الطَّيلسان، وجَذَبَ السيف، وفعل وليُّ عهده كذلك، وكبَّرا، وصاح الخليفة: يا آل مُضَر، كذب الشَّيطان {وَرَدَّ اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِغَيظِهِمْ لَمْ يَنَالُوا خَيرًا} [الأحزاب: 25]، وحمل وحملتِ العساكر، فكان يُسْمَعُ وَقْعُ الدَّبابيسِ والسُّيوفِ على الحديد كوقع المطارق على السَّنادين، فانهزمَ القوم لا يلوون على شيء، ونُهبت أموالُ التُّرْكمان، فأُخِذَ منهم أربعة آلاف رأس غنم، ومن الخيل خمسون ألفًا، ومن الجمال ما لا يحصى، ونُهبت نساؤهم وأموالهم وبناتُهم، وبِيعَ كلُّ كبشٍ بدانقين، وكلُّ فرس بدِرهمين، وكلُّ جَملٍ بخمسة دراهم، وأمر الخليفة برَدِّ السَّبْي على أهاليهم، وأخذ البقش الصَّبيَّ (?) وهرب إلى بلده، ومضى مسعود وترشك إلى تكريت، وعاد الخليفة إلى بغداد في غُرَّة شعبان، وكانت الوقعة في رجب.