وقال ابن القلانسي: وفي سنة ثمان وتسعين وأربع مئة وردت الأخبار بوفاة بركياروق بنهاوند بعد أن تقرَّرت الأحوال بينَه وبين إخوته، بحيث تكون مملكة خراسان لسنجر وأصبهان وهَمَذان وبغداد وما والاها، والسلطنة لبركياروق، وإرمينية وأذربيجان ودياربكر والجزيرة والشام وما يليه لمحمد شاه، وتوجَّهت عساكر بركياروق بعد وفاته إلى بغداد، ومُقدَّمها إياز، وتوجَّه السلطان إلى بغداد، فلمَّا عرف إياز خاف منه على نفسه، فهرب ومعه ملك شاه بن بركياروق، ودخل السلطان محمَّد بغداد، وجاءه صدقة بن مَزْيَد، واستقرَّ أمرُه معه، وعرف إياز أنَّ أمره لا يستقِلُّ إلَّا بالعود إلى طاعة السلطان محمَّد وخدمته، فراسله، وطلب منه الأمان، واستحلفه على الوفاء، وجاء ومعه بركياروق طفل صغير، فلمّا كان بعدَ أيام غدر به محمَّد شاه، وأخلف وعده، ونقض عهده، وقبض عليه وهو آمن مطمئن فقتله، وجعل سبب هذا القتل أمورًا أوردها، واحتجَّ بها ليُعذر في فعله، وما هو بمعذور.
أبو المؤيَّد، الغَزْنَوي، الواعظ. قدم بغداد، ووعظ بها، ونصر مذهب الأشعري، وقامت الفتنة، فأُخرِجَ منها، وقصد غَزْنة، فمات بإسفرايين.
وقال ابن الهَمَذاني: كان الغَزْنَوي ببلده كاتبًا بين يدي عبد الحميد وزير صاحب غَزْنة، فترك دنيا واسعة، وأقبل على العلم، وجلس في دار (?) عميد الدولة ابن جَهير، وكان الوزيرُ سديدُ الملك حاضرًا، فقال الغزنوي في كلامه: من شرب مرقة السلطان [احترقت (?)] شفتاه ولو بعد زمن. ثم قرأ: {وَسَكَنْتُمْ فِي مَسَاكِنِ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ} [إبراهيم: 45] وأنشد: [من الوافر]
سديدَ المُلكِ سُدْتَ وخُضْتَ بحرًا ... عميقَ اللُّجِّ فاحفظْ فيه رُوحَكْ
وأحْيِ معالمَ الخيراتِ واجْعَلْ ... لسانَ الصِّدْقِ في الدنيا فتوحَكْ
وفي الماضينَ مُعتبرٌ فأسرِجْ ... مَروحَكَ في السلامةِ أو جَموحَكْ