الملك بأن يوصي، فنصَّ على طُغْتِكين في حضانة ولده الصغير تُتُش إلى حين يكبر، وتوفي في الثاني والعشرين من رمضان، ودُفِنَ على الشرف الشمالي بدمشق بقبة الطواويس، فشرع طُغْتِكين في الإحسان إلى العساكر والرعية، وأطلق الأموال، وأكثر الصدقات، وأمر بالمعروف، ونهى عن المنكر، وقمع المفسدين، فاستقامت له الأمور، وأجمع على طاعته الجمهور، وكان دُقاق قبل وفاته قد سيَّر أخاه أرتاش إلى بعلبك، وأمر أن يُعتقل في الحصين عند وإليه فخر [الدولة كمُشْتِكين التاجي، فرأى طُغْتِكين في حكم ما يلزمه لأولاد تاج الدولة أن يراسل كُمُشْتِكين في إطلاق أرتاش] (?) وإنفاذه إلى دمشق، فأطلقه الخادم، فتلقَّاه طُغْتِكين وأكرمه، وأقام في منصب أخيه دُقاق، وتقدم إلى الأمراء بطاعته، وأجلسه في دَسْت المملكة لخمسٍ بقين من ذي الحجة، ولُقِّب أرتاش مجير الدين، ثم استوحش أرتاش من طُغُتِكين ومن والده دُقاق، وأوقعت أمُّه في نفسه الخوف منهما، وأشارت عليه بالعود إلى بعلبك، فخرج من دمشق في صفر وقد قرَّر مع أيتكين الحلبي صاحب بصرى الفسادَ، وجَمْعَ العساكر، وقتال طُغْتِكين، واجتمعا بحوران، وراسلا بَغْدوين صاحب القدس، وتوجَّها إليها، وأقاما عنده مدة بين الفرنج يُحرِّضانه على المسير إلى دمشق، ويبعثانه على إفساد أعمالها، فلم يحصلا منه على طائل، فتوجَّها إلى ناحية الرحبة في البرية، وقضى الله بوفاة تُتُش بن دُقاق، وبسط طُغْتِكين العدلَ، وأفاض الإحسانَ، ورخصت الأسعار، وكثرت الأدعية لطُغْتِكين. وقيل: إنَّ أم دُقاق سمَّته في عنقود من عنب، أدخلت فيه إبرًا مسمومة، وبعثت به مع جارية إليه، ثم ندمت، وأرسلت إلى الجارية: لا تفعلي، وقد مات.
أبو الخطاب بن الجراح، ولد سنة عشر وأربع مئة، وكان فاضلًا، أديبًا، من أهل بيت الفضل والرياسة، وصنَّف قصيدتين في القراءات، سمَّى إحداهما بـ "المكملة" والأخرى بـ "المستجدة".