مغلقة، وتعدَّى الوباءُ إلى أذربيجان، ثم إلى الأهواز والبصرة وواسط وتلك الأعمال، حتَّى كانت تُحفر زُبية (?) فيُلقى فيها عشرون وثلاثون من النَّاس، وسببه قلة القوت والجوع، ومن مات قريبًا من دجلة سحبوه برجله وألقوه فيها، وكان الضعفاء ينبِشون الموتى ويشوونهم ويأكلونهم [وكذا الكلاب كانت تنبِش الموتى وتأكلهم] وكان لرجل أرض يسأل في بيعها بعشرة دنانير فلم يفعل، فباعها بخمسة أرطال خبز، فأكلها ومات من وقته. ووصل إلى بغداد نسخة كتابٍ كُتِبَ من سمرقند إلى إلخ مضمونه أنَّه يُدفن في كلِّ يوم من صالحي المسلمين خمسة آلاف وستة آلاف وأكثر، وغُلِّقت الأسواق، واشتغل النَّاس ليلًا ونهارًا بدفن موتاهم وغسلهم وتكفينهم، وكلُّ دار يدخلها الموت يأتي على الجميع، وكان المريض ينشقُّ قلبه عن دم المُهجة، فتخرج من فمه قطرة فيموت، أو دودةٌ لا يدري ما هي فيموت.
وغُلِّق من البلد من دور المُقدَّمين وأعيانهم أكثرُ من ألفي دار، ولم يبقَ فيها كبير ولا صغير ولا [حرٌّ ولا عبدٌ ولا] وارث، وتاب النَّاس [كلهم] , وتصدَّقوا بمعظم أموالهم، وأراقوا الخمور، وكسروا المعازف، ولزموا المساجد وقراءة القرآن، والنساءُ في البيوت يفعلن كذلك، وكلُّ دار فيها خمر يموت أهلها في ليلة واحدة، ومن كانت معه امرأة حرام ماتا معًا، ومات قيِّمُ مسجد وله خمسون أَلْف درهم، فلم يقبَلْها أحد، ووُضعت في المسجد تسعةَ أيام بحالها، فدخلت أربعة أنفُس من الخُلْجِ (?) ليلًا، فأخذوها فماتوا عليها.
وكلُّ من أوصى إلى إنسان مات الموصى [له] قبل الموصي، وكلُّ مسلِمَين كان بينهما هجران فلم يصطلحا ماتا، وكان عند الفقيه عبد الجبار بن أَحْمد سبع مئة فقيه، فمات عبد الجبار والفقهاء بأسرهم، وكان في دار رجل من الأغنياء من الأولاد والأهل والغلمان ما يوفي على الخمسين، فماتوا كلُّهم في ثلاثة أيام، وخلفوا أكثر من ألفي أَلْف دينار، ولم يبقَ منهم إلَّا طفل صغير ابنُ خمس سنين، والمال جميعه في الدار لا يجسر أحدٌ أن يدخلها، ونزل تركى على مريض من السطح وعليه لحاف ديباج، فأخذه التركي، فمات ويده في طرف اللحاف، وباقيه على صاحبه.