ناصر بن إسماعيل العلوي كان قد نفذه السلطانُ -لما قدم بغداد- إلى ملك الروم في المهادنة، فجعل طريقه في رجوعه على ابن مروان، ومعه رسول ملك الروم بهدايا كثيرة، فلما اجتمع بهما ابنُ مروان أنزلهما وأكرمهما، وقال: أَقيما عندي، فإن الطريق مَخوفٌ، والعرب قد انتشرت في الجزيرة، وأخاف عليكما. فأقاما، وبعث إليه البساسيري وقريش ودُبَيس يطلبون النجدة، فأنجدهم، ووقع للعلويِّ إنما احتبسهما انتظارًا لما يكون من السلطان مع العرب، فإن كانت لهم عليه أخذ ما معهما وفاز به، فكتب العلويُّ إلى السلطان يُعرِّفه ذلك، فوقر في صدر السلطان، ولمَّا وقع الصلح، وتفرَّق العرب، وانفصل البساسيري عنهم، أرسل ابنُ مروان خادمًا إلى خاتون زوجة السلطان، واستجار بها، وأهدى إليها هديةً، وقال: إنما فعلتُ ما فعلتُ خوفًا على بلادي، وأمَّا احتباس الرسولين فإنما كان شفقة عليهما، وأنا شيخٌ قد نيَّفْتُ على السبعين، وما قصدي إلَّا حفظ هذه الثغور من النهب والخراب. فأعادت خاتون على السلطان ما قال، وسألَتْه فيه، فقال: قد تيقَّنتُ احتباسه للرسولين طمعًا فيما كان معهما ومعاونته لأعدائنا، وتربُّصه الدوائر بنا، وهذا ذنبٌ لا يُغفر، وكان الأمير قوني بن داود -نسيب السلطان- أغار على بلاده وسبق، ولمَّا كان رسول الروم بميَّافارقين كتب إلى خاتون كتابًا عنوانه: عبدُ مولاتنا الملكة الجليلة والخاتون الكريمة البطريقُ غلامُ الملكِ القدِّيسِ المنفردِ بممالك الروم، وذكر فيه أن الأمير قوني بن داود قد شنَّ الغارات، ونهب أعمال الملكية، وأتى عليها بالكلية، ولولا تعويل الملك القِدِّيس صاحبي على ما بينه وبين الحضرة السلطانية من العهود والمواثيق لكانت عساكره قد خرجت إلى الأطراف، وأمرهم بالانصراف عنها، وذكر كلامًا طويلًا.
وأما العرب فتفرقوا في البلاد (?)، وسار بعضهم إلى البساسيري، وبعضهم إلى الجزيرة (?).
وفي جمادى الآخرة ورد كتابٌ من بخارى [من وراء النهر] أنَّه وقع عندهم وباءٌ لم يُعهَدُ مثلُه ولا سُمِعَ به، حتَّى إنه خرج من هذا الإقليم في يوم واحد ثماني عشرة آلاف جنازة، وحُصِر من مات منه، فكانوا أَلْف أَلْف وست مئة وخمسين ألفًا إلى تاريخ الكتاب، ومن بقي من النَّاس يمرُّون في هذه البلاد فلا يرَون إلَّا أسواقًا خاليةً، وأبوابًا