قال: ودخلنا على مريض قد طال نزعه سبعةَ أيام، فأشار بإصبعه إلى بيت في الدار، فدخلناه وفتَّشناه وإذا بخابية خمر، فأقلبناها، فخلَّصه الله تعالى من الموت. [قال: ولم يكن مثل هذه الواقعة منذ مات آدم وإلى الآن] ولا يعلم من مات في أرض المشرق، بل قيل: إن سمرقند من غُرَّة شوال وإلى سلخ ذي القعدة أُحصي مَنْ خَرَجَ من أبوابها من الجنائز، فكانوا مئتي أَلْف وستة وثلاثين ألفًا.
قال: وأصل هذا الوباء من تركستان بلاد الكفار، ثم خرج منها إلى بلاد ساغون وكاشغر والشاش وفَرغانة وتلك النواحي، ووصل إلى سمرقند في سابع عشرين رمضان في هذه السنة، ولم يعبر النهر، حتَّى إن جماعة من أهل بخارى عبروا إلى بَلْخ، فنزلوا في رباط منها، فماتوا بأجمعهم دون أهل بَلْخ، وكان الموت في الشباب والكهول والصبيان والنساء من العوام، فأما الملوك والعساكر والمشايخ والعجائز فلم يَمُتْ منهم إلَّا القليل، ثم انفجرت فوهة بما وراء النهر من مكان تجتمع فيه المياه من الأمطار والثلوج، فغرقت الجبال والقلاع والبلاد والضياع وعامة النَّاس، فلم يبقَ إلَّا القليل.
ورَدَّ عميد الملك على دُبيس ضياعَه فوجدها خرابًا لا أكَّار (?) فيها ولا حيوان، فبعث رسولًا إلى بعض النواحي ليجمع له الرجال، فلقيه جماعةٌ فقتلوه وأكلوه.
ووقع حريقٌ ببغداد لم يُعهَدْ مثلُه قبلَه (?).
قال ابن الصابئ: عبرتُ إلى الجانب الغربي يوم الأربعاء لسبعٍ بَقِينَ من جمادى الآخرة وقد احترقت قطيعة عيسى وسوق الطعام والكنيس وأصحاب السقط وباب الشعير و [سوق] العطارين وسوق العروس وغير ذلك، فرأيت أمرًا موحشًا يدلُّ على خراب البلد وانقراضه، ورأيت المساكن قد علاها التُّراب وعليها دلائل السخط والانتقام (?).
ولم تقع عيني على من عليه ثوب صحيح ولا نظيف، ورأيت في قطيعة عيسى خمسةَ أنفُس، وبطلت الصلاة في جوامع بغداد إلا جامع الخليفة {فَتِلْكَ مَسَاكِنُهُمْ لَمْ تُسْكَنْ مِنْ بَعْدِهِمْ إلا قَلِيلًا وَكُنَّا نَحْنُ الْوَارِثِينَ} [القصص: 58].