وقُتِلَ رجالُنا، وسُبي حريمُنا بسببك، والحرب سِجال، وما ندري ما يكون، وهذا السلطان معه أممٌ لا طاقةَ لنا بهم، وما راسلناه حتَّى اقترحنا عليه أن تكون البصرة لك، وحكمك حكمنا في صلحنا، وإلا فقد خربت ديارنا. فقال: لستُ لما يُبذل لكم متحققًا، وما غرضُه إلَّا تبديدُ جمعنا، وإنهاءُ حيلةٍ علينا، وسخرية بنا، وبعد فأنا صاحب سلطانٍ بعيدِ عني، ولستُ مالكًا لأمري، ولا بُدَّ من مطالعته، واستدعاء إذنه فيما أفعل. وأغلظَ لهم فانصرفوا، وعاد رسولُهم ابنُ وَرَّام وقرَّر ما أرادوه، فأفرج السلطان عن محمَّد بن منصور والجماعة المأسورين، واستقرَّ الأمر على مسير هزارسب إليهم؛ لاستخلافهم وإحضارهم إلى الخدمة، وقال: أنا رهينةٌ عندكم، فإن رأيتم ما تُحِبُّون وإلا فنفسي لأولادكم وأهليكم. فقالوا: نحن له طائعون، وإذا ردَّ علينا بلادَنا وانحدر إلى العراق نطأ بساطه بين يدي العتبة الشريفة، ويكون الخليفة هو المتوثق لنا منه. فقال هزارسب: إذا كنتم لهذا الأمر كارهين، فأنا أضمن عنه الإجابة إلى ما سألتم. فانتدبوا سبعين فارسًا من أعيانهم ووجوه القبائل، وساروا مع هزارسب وابن وَرَّام، فركب عميد الملك لاستقبالهم، وأنزلهم هزارسب في خيمته، وبعث لهم السلطان خيمةَ كبيرةً ينزلونها إكرامًا لهم وتشريفًا، وجاء غلمانٌ من الترك في الليل، فضربوا خيل العرب بالنُّشَّاب، فقتلوا منها أربعةَ أفراس لها قيمة، وبلغ السلطان فأنكر ذلك، واعتقل الغلمان، وحضر القوم من الغد عند السلطان، فأكرمهم، واعتذروا إليه، فقَبِلَ عذرهم، وخاطبهم بالجميل والصفح، وأنه مُؤثِرٌ لخدمتهم، مختارٌ لقُربهم، وتوثَّق منهم، وطابت قلوبُهم، وتقدَّم بكَتْبِ أعمالهم لهم، وزاد في إقطاعهم، وخلع على أبي الفتح بن وَرَّام وأعيان القوم، وعادوا طائعين.
ولمَّا رأى العسكرُ الصلحَ قد تمَّ سألوا السلطان نَهْبَ بلاد ابن مروان، وقالوا: قد خرج عن الطاعة. وساعد البساسيري، فأذن لهم، فشفعت الجماعة الذين حضروا فيه وقالوا: قد أخطأ مثل ما أخطأنا، وقد وقع العفو عنا، فكذا هو. فقال السلطان: لا أدري هل هو مقيم على طغيانه أو رجع إلى الطاعة؟ فقالوا: نحن نسير إليه وننظر ما يكون منه. ثم ساروا نِصفَ جمادى الآخرة، وسار السلطان ثامن عشرة، فنزل على ظاهر بَلَد (?)، واتفق أن أَبا الفضل