وفي صفر كُبِسَت دارُ أبي جعفر الطُّوسي فقيه الشيعة بالكَرْخ، وأُخِذَ ما كان فيها من الكتب وغيرها، وكرسيٌّ كان يجلس للكلام عليه، وسَناجق (?) بِيض كان الزوَّار من أهل الكَرْخ قديمًا يحملونها معهم إذا قصدوا زيارة المشهدين، فأحرق الجميع في سوق الكَرْخ، وكان ببغداد الزهيريُّ وابنُ اليدن، وكانا فاتِكَين، فجرى منهما في هذا اليوم على أهل الكَرْخ من السب والشتم شيءٌ عظيم، وقالا: أنتم أعداء الخليفة، ولم تستعملوا مع ابن فَسانْجِس قبيحًا في قول ولا فعل لمَّا شهروه في محالِّكم، وأطلق رئيس الرؤساء لسانَه في الشيعة، وتهدَّدهم بالقتل والصلب.
وفي ربيع الأول عقد السلطان جسرًا على الزاب الأول وعبر إلى قلعة كُشاف (?)، وكانت لمحلي بن درع، ففتحها وأخذ منها غلَّاتٍ كثيرة، وأصنافًا مختلفةً، وكان قد ضاقت به الميرة.
وفي مستهلِّ ربيع الآخر قصد الزُّهيري وابن اليدن وجماعةٌ من أهل باب البصرة والحربية ونهر طابق ودرب الشعير والقلَّائين مشهدَ موسى بن جعفر، ومعهم النوائح فيه بقصائد في حريق المشهد، وسنَّموا قبور المشهد، وفعلوا كلَّ قبيح، وانتقل العلويُّون منه، ولم يبقَ فيه إلَّا القليل، فمن القصائد: [من السريع]
يَا مُوقِدَ النيرانِ (?) بالمشهدِ ... بُورِكَ في كفَّيكَ من مُوْقِدِ
طهَّرتَ أرضًا كلُّ سُكَّانها ... ما بين زنديقٍ إلى مُلحدِ
لا حافظ للذِّكر فيهِمْ ولا ... مقدِّسٌ يركعُ في مسجدِ
من كلِّ بِدْعيٍّ له مذهبٌ ... متخذًا للرِّفضِ بالمسندِ
لا تابِعٌ للدين فيهمْ ولا ... معتقِدٌ للبعثِ من مرقدِ
بلى يظنُّون وويلٌ لهم ... أنَّ المنايا آخرُ المَورِدِ
وأنَّهم مثلُ حشيشٍ ذوي ... بعد اخضرارٍ ليس بالعُوَّدِ