وفيه نقضت الروم الهدنةَ التي كانت بينها وبين صاحب مصر، وجاؤوا بالمراكب، فنزلوا على طرابلس الشَّام، وأحدقوا بها، فبعث محمَّد بن أبي عقيل قاضي صور إلى الروم جمعًا كبيرًا، ووقعت بين الفريقين وقائعُ قُتِلَ فيها خلقٌ عظيم، فرحلوا عن طرابلس، وصعدوا من المراكب، ووصلوا إلى الخوابي وأنطَرسوس (?) فسبوا وقتلوا ثم عادوا فنزلوا على اللاذقية.
وفي تاسع شعبان برز قُتُلْمِش بالعساكر نحو واسط لقتال ابن فَسانْجِس، ثم أعيدت الخيم في ذلك اليوم، وسببه ورود كتاب قريش إلى البساسيري ودُبيس ومقبل وابن وَرَّام وابن خَفاجة نزلوا الخابور قاصدين الموصل، فَردَّ الكُنْدُري العسكرَ، وبعث الخليفةُ رسالةَ إلى واسط بتطييب قلوب مَنْ فيها، فقالوا: نحن طائعون بحيث نبقى على ما نحن عليه. وجرَّد السلطانُ ابنَ عمه قُتُلْمِش والحاجب الكبير وغيرهما في ألفي فارس من الأتراك والغُز والتركمان وعشرةِ آلاف دينار ومئتي ثوب؛ ليفرِّقها قريش في بني عقيل، وخِلعةٍ جميلة لقريش، وقريشٌ بمركب ذهب ومُنجوق، ولمسلم بن قريش مثلُ ذلك، ثم ورد الخبر بأن القوم في الرحبة على عزم إنفاذ مقبل لقتال أخيه وانتزاع الموصل من يده، فكوتب قتلْمِش بالإصعادِ على حالة إلى الموصل، وقَصْدِ القوم ومناجزتهم أينما كانوا.
وفي رمضان أخرج الخليفةُ والسلطانُ جميعَ من كان ببغداد من الأتراك العُتَّق الذين كانوا يفعلون بجلال الدولة ما فعلوا، فلم يبْقَ لهم أثر، ونفاهم إلى الدِّينَور وحُلوان، ومزَّقَهم كل مُمزَّق.
وفيه أسلم كاتب البساسيري من شدة العقوبة والمطالبة بالأموال، فَزِيد في عقوبته.
وفيه عزم السلطان على الخروج بنفسه إلى البساسيري، فمنعه القائم وقال: أقِمْ وابعَثِ العساكر.
وفي شوال سار عميد العراق أبو نصر إلى واسط، ناصر جماعةَ من الأتراك، وغَرَّق آخرين، وقَتَلَ، وانهزم الباقون في السفن إلى البَطيحة هاربين، وهدم سورَ واسط، وطمَّ الخنادق، وكتب إلى السلطان بالفتح، وكان ابن فَسانْجِس قد هرب إلى البَطيحَة.