أنَّه كان بمصر ويسمع مستفاضًا بين أهلها أنَّه لمَّا طلعت هذه الذؤابة ملك الغُزُّ مصر.
قال: وأظنُّ أن القوم يملكون بغداد، فكان كما قال.
قلت: وقد ظهر مثلُ هذه الذؤابة من ناحية الشرق، إلَّا أنها كانت ذوائب [مثل هذه] (?) فكان خروج التتر عقبها [وذلك في] سنة سبع عشرة وست مئة.
ولما تحقَّق السلطان أنَّ ما قيل عن قريش وابن مَزْيَد لا أصل له أمر الكُنْدُري بإنفاذ أبي الفتح المظفر بن محمَّد العميد وجماعة من الأعيان إلى تِكريت ليجتمعوا بقُريش ودُبيس، فاجتمعوا في خيمة قريش، فقال العميد: السلطان على نية الانحدار إلى شيراز، فهذه البلاد ما تحمله، ويفوِّض الأمور إليكما لتكونا نائبين عنه بالعراق، ويريد أن تخلُفا. فقال قريش: هذا ولدي يكون في دار الخلافة رهينةً. فطلبوا من دُبَيس رهينة. فقال: السلطان قد أعفاني. فقال العميد: فهذا قريش قد أعطانا رهينةً، ولستَ بخير منه. فقال: ما أعطيكم شيئًا. فقال له العميد: فأحد أولادك عند اللعين البساسيري، وأعيان أصحابك، وهذه أمور تُوجِبُ الارتياب بك، وقلَّةُ السكون إليك، وهذا علم الدين أبو المعالي المبرَّأُ من هذه الأسباب، والموالي للسلطان في كل حال، والذي يجب أن نكون به واثقين، قد أعطانا الرهائن، وحلف لنا بالأيمان المؤكدة مع أننا لا نرتاب بصحة موالاته وخالص طاعاته، فأنت أولى. فقال: ما انحدرتُ إلَّا معتقدًا للطاعة، وأنتم الذين رجعتم عمَّا قررتموه، ونهبتم بلادي بعد انحداري، وكسرتم جاهي، وقطعتم معاشي، وإذا كان هذا حالي معكم فلِمَ أغِلُّ يدي وأنت خليٌّ (?) ممن يبذل الأموال، ويوسعني في الأعمال؟ وأغلق للرسل، ثم قام فركب راحلته ومضى إلى البساسيري، وسلَّم قريشٌ ولدَه عليًّا إلى الرسل رهينةً وعمره ثلاث سنين، ومعه دابة وبدوي، وقال: تكون في الدار العزيزة عند الخليفة. ثم إن العرب نفرت عن قريش، وصوَّبَتْ رأي دُبيس، وأصعد قريش إلى الموصل خائفًا منهم ومن أخيه مقبل، ثم بعث إلى بغداد في رجب يطلب نجدةً ومالًا يُفرِّقه في العشيرة، فإن البساسيري على قصْدِه، فجهَّز إليه خمسَ مئة غلام، فأقاموه بباب الشَّمَّاسية مع باتكين الحاجب.