فضَمِن لهم مال البيعة بعد عشرة أيام، ونقش على سِكَّة الدنانير والدراهم: محمَّد رسول الله، القاهر بالله، المنتقم من أعداء الله [لدين الله] (?).
وكان رَبْعَةً ليس بالطويل ولا بالقصير، أسمر، معتدلَ الجسم، أَصْهبَ الشعر، أَقْنَى الأنف.
وأول ما شَرع فيه: أنَّه بحث عن المستورين من ولد المقتدر وأُمَّهات أولاده وحُرَمه وخواصِّه ووالدته فصادرهم، وعذَّبهم بأنواع العَذاب، وأحضر أمَّ المقتدر وهي مريضة، فضربها بيده ضربًا مُبَرِّحًا، فلم تُظهر من مالها سوى خمسين ألف دينار، وأحضر القضاةَ والشُّهودَ فشهدوا عليها ببيع أملاكها بعد أن كَشَفَت وجهَها ونظروا إليها، فلمَّا رأَوا ما بها من الضُّرِّ بَكَوا، وما انتفعوا بعيشهم في ذلك اليوم، وما زال يُعذِّبها حتى ماتت معلَّقةً بحَبْل البَرَّادة (?).
وضرب أمَّ موسى القَهْرَمانة وعذَّبها، ووجد عندها أبا العباس بن المقتدر فقبض عليه، وما أبقى في الإساءة إلى عِيال المقتدر، ولم يَظفَر منهم بطائل، ونَفَرَت قلوبُ الناس عنه.
وكان المقتدر قد نفى أبا علي بن مُقْلَة إلى الأهواز، فكتب إليه القاهرُ رُقْعةً بخطِّه: يا أبا علي، أدام الله إمتاعي بك، مَحَلُّك عندي جليلٌ، ومَكانك من قلبي مَكين، وأنا حامدٌ لمذهبك، مُرتَضٍ لأفعالك، عارفٌ بنصيحتك، ولم أجد مع قصور الأحوال عن ما أُضمِره لك ما يَزيد في محلِّك وكمال سرورك غيرَ تَشريفِك بالكُنية، وأنا أسأل الله عَونًا على ما أحبُّه لك، والسلام (?).
وأحضره، واستوزَره، وخلَع عليه، وفوَّض الأمورَ إليه.
وقال ثابت: أشار مؤنس بعلي بن عيسى ووَصَفَه، فقال بليق وابنه: الحالُ لا يَحتملُ أخلاقَه، ويُحتاجُ إلى مَن هو أسمَحُ منه وأوسعُ أخلاقًا، فأشار بابن مُقْلَة، وأن يُستَخلَف له أبو القاسم الكَلْوَذاني إلى حين يَقدم.