كلُّنا، فأقلُّ ما يكون أن تُظهِروا أنَّ ذلك جرى عن غير قَصْد منكم، وأن تَنصِبوا في الخلافة ابنَه أبا العباس، فإنَّه تَرْبيتي، وإذا جلس في الخلافة سَمَحَت نفسُ جدَّته وإخوته وغلمان أبيه بإخراج ما عندهم من المال، فقال إسحاق بن إسماعيل النُّوبَخْتي لحِينه: من بعد الكَبَد (?)؛ استرَحْنا ممَّن له والدة وخالة وحُرَم وخَدَم، فنعود إلى تلك الحال، وما زال بمؤنس حتى ثَنى رأيَه عن أبي العباس، وعدَلَ إلى القاهر.
وقال: إنَّ والدةَ المقتدر لمَّا بلغها قتلُه أرادت الهَربَ، وأنَّه وكَّل بها، وأنَّ محمَّد بن المعتضد ومحمد بن المكتفي مُعتقَلان في يده في دار الخلافة، فأمر بإحضار محمَّد بن المعتضد ومحمد بن المكتفي، فقال مؤنس لمحمد بن المكتفي: تولَّى هذا الأمر، فقال لا حاجةَ لي فيه، وعمِّي محمَّد أحقُّ به.
فخاطب محمَّد بنَ المعتضد فأجاب، فاستحلفَه مؤنس لنفسه ولبليق ولعلي بن بليق وكاتب بليق يحيى بن عبد الله الطبري، فلما توثَّقوا منه بالأيمان والعهود بايعوه، وبايعه مَن حضر من القضاة والقوَّاد، ولُقِّب القاهر بالله، وكان ذلك سحر ليلة الخميس لليلتين بقيتا من شوال.
وقال الصولي: لمَّا قُتِل المقتدر بالشمَّاسية أَحضر مؤنس محمَّد بنَ المُعْتَضد وأبا أحمد بنَ المُكْتَفي، فباتا عنده في مكان واحد، فقال محمَّد بن المعتضد لأبي أحمد: أنا فقيرٌ لا مال لي، فتولَّى أنت الأمر، فقال أبو أحمد: أنت شيخي وعمِّي، وقد وُلِّيت هذا الأمر وسمِّيتَ له، فأنت أحقُّ به منِّي من جميع الجهات.
وعزم مؤنس على مبايعة أبي أحمد لأنَّهم رأَوه أتمَّ رأيًا، وأكثرَ أدبًا، وأوفرَ عقلًا، فبات النُّوبَخْتي يمشي إلى أرباب الدولة ويقول: ابنُ المعتضد أحقُّ، فقيل له: فلم تكَرَّهت من ابن المكتفي مع ما هو عليه؟ فقال: أخاف أن يَنْتَقِض الأمر علينا بخليفةٍ كنَّا قد سمَّيناه وبايعناه -يعني القاهر- فيطولَ تَعَبُنا, ولم يَدْر أنه سعى في حَتْفه، فبايعوه،