وانهزم يعقوبُ في نَفَرٍ من أصحابه، فذكروا أنَّه أُخذ من عسكره عشرةُ آلاف فرسٍ، ومن العَين ألفا ألف دينار، ومن الدَّراهم ما يعجزون عن حَمْلِه، وعدَّةُ أحمالٍ من الجواهر والمِسْك والعَنْبر، وعشرةُ آلاف خيمة، وثلاثون ألف سرك (?)، وخلَّصوا محمَّد بنَ طاهر، وكان مع يعقوب مُثْقلًا بالحديد وخَلع عليه الموفَّقُ، وأعلى مرتبتَه، وكتب المعتمد كتابًا مضمونُه:
ولم يزل المَلْعون المارقُ المسمَّى يعقوب بنُ اللَّيث الصفَّار يَنتحل الطَّاعة، حتَّى أحدث الأحداثَ المُنْكَرةَ؛ من مصيره إلى صاحب خُراسان، وغلبتِه إيَّاه عليها، وتقلُّدِه الصَّلاةَ والإحداثَ بها، ومصيرِه إلى فارس مرَّةً بعد مرَّة، واستيلائه على أموالها، وإقباله على أمير المؤمنين مُظْهرًا لطاعته، وفي قلبه الغشُّ بعد أنْ فوَّض إليه أمير المؤمنين خُراسانَ وطَبَرِسْتان وغيرها، فما زاده ذلك إلا طُغيانًا وبَغْيًا، فذاق وَبَال أمرِه، وأخذه اللهُ أخْذَ عزيز مقتدر، فولَّى هو وأصحابُه مهزومين مجروحين مَسلوبين، وذكر بمعناه.
ثمَّ عاد المعتمد إلى سُرَّ من رأى، وقيل: إلى المدائن، وصار يعقوبُ إلى فارس، وقدم محمد بنُ طاهر إلى بغداد، ورُدَّ عليه عملُه، فلم يَعزِلْ أحدًا، وأمر له المعتمد بخمس مئة ألف درهم.
وقال محمَّد بن علي الطَّائي يمدح الموفَّق ويذمُّ الصفَّار: [من الكامل]
ولقد أتى الصَّفار في عَدَدٍ له ... رَهَجٌ فوافَقَهُنَّ (?) نَكْبَةُ ناكبِ
جلب القضاءُ عليه حَتْفًا عاجلًا ... سَقْيًا ورَعْيًا للقضاء الجالبِ
أغواه إبليسُ اللَّعينُ بكَيده ... واغترَّه منه بوَعْدٍ كاذبِ
حتَّى إذا اختلفوا وظنَّ بأنَّه ... قد عزَّ بين عَساكرٍ وكتائبِ
دَلَفتْ إليه عساكرٌ مَيمونةٌ ... يَلْقَونَ زَحْفًا باللِّواءِ الغالبِ
في جَحْفَلٍ لَجِبٍ (?) تُرى أبطالُه ... من دارعٍ أو رامِحٍ أو ناشِبِ