فيها وافى يعقوبُ بن اللَّيث الصفَّار رامَهُرْمُز (?) في المحرَّم، وقيل: في ربيع الأوَّل، فأطلق المعتمدُ مَن كان في حبسه من أصحابه، لأنَّه لما حبس محمَّدَ بن طاهر حبس المعتمدُ مَن كان عنده ممَّن يلوذ بيعقوبَ؛ مثل غلامه وَصيف وغيرِه.
وولَّى المعتمدُ يعقوبَ خُراسان، وطَبَرِستان، وجُرجان، والرَّيّ، وفارس، والشُّرطةَ بمدينة السلام، وبلغ يعقوبَ، فقال: لا أرضى بهذه الولايات حتَّى أصيرَ إلى باب أمير المؤمنين، وأضمرَ في نفسه الحُكمَ على الخليفة، والاستيلاءَ على العراق والأموال، مضافًا إلى ما كان بيده من المشرق كلِّه ومن وراء النَّهر، وعلم المعتمدُ قَصْدَه، فارتحل من سُرَّ مَنْ رأى يوم السَّبت لثلاثٍ خلون من جمادى الآخرة، واستخلف على سامراءَ ابنَه جعفرًا المفوَّض، وضمَّ إليه محمدًا المولَّد.
ووافى بغدادَ يوم الأربعاء لأربع عشرةَ خلت منه ولم ينزلها، ونزل بالزَّعْفَرانيّة، وقدَّم أخاه أبا أحمد الموفَّق، وسار يعقوبُ بجيش لم يُرَ مثلُه، وأموالٍ وخزائنَ لم يَحوِها مَلِك، فيقال: كان جيشُه سبعين ألفًا، وخزائنُه وأموالُه على عشرة آلاف جَمَل. ووافى واسِطًا، فدخلها لستِّ بقين من جمادى الآخرة.
وارتحل المعتمدُ من الزَّعْفَرانيَّة يومَ الخميس لليلة بقيتْ منه حتَّى صار إلى سِيب بني كُوما، فأقام أيامًا حتَّى جاءه مَسْرور البَلْخيُّ والعساكر، وزحف يعقوبُ من واسِط إلى دَير العاقول نحو المعتمد، فأقام المعتمد في السِّيب على حاله، ومعه عبيدُ الله بن يحيى بن خاقان، وجهَّز أخاه الموفَّق إلى حَرْب يعقوب، فجعل الموفَّقُ موسى بنَ بُغا على ميمنته، ومَسْرورًا البَلْخيَّ على مَيسرته، ووقف هو في القلب، والتقى العَسْكران لثلاثٍ خَلَون من رجب بمكانٍ يقال له: اضطربد؛ بين سِيب بني كُوما ودَير العاقول. فاقتتلوا قتالًا شديدًا، وكانت الهزيمةُ أوَّلًا على الموفَّق، ثمَّ صارت على يعقوب، فكره أصحابُه قتال أصحاب المعتمد فولَّوا مُدْبِرين.