قال ابن الزيَّات: فخرجتُ قبل صورة الحال، وخرج أحمد فقام الرجل يشكره، فقال له: اذهب عافاك الله، فإنَّما قضيتُ حاجةَ عمر بن الخطاب، لا حاجتك. وكان ذلك الرجلُ لا يلتقي ابن أبي دؤاد إلا لعنه في وجهه ودعا عليه سواءٌ كان في محفلٍ أو وحدَه، فصارَ إذا لقيه لا يكادُ ينظرُ إليه من الحياء (?).

وقال له الواثق يومًا: يا أحمد، قد اختلَّت بيوتُ الأموالِ بطلبائك اللائذين بك، والمتوسِّلين إليك، فقال: يا أمير المؤمنين، نتائجُ شكرها متَّصلةٌ بك، وذخائرُ أجرها لك، وما لي من ذلك إلا عشقُ اتصال الألسن بحلو المدح فيك، فقال له: يا أبا عبد الله، والله لا منعناك ما يزيد في عشقك، فافعل ما أحببت (?).

وأمر الواثق لعشرةٍ من بني هاشم بعشرةِ آلاف دينار على يد أحمد، فدفع لكلِّ واحدٍ من ماله عشرة آلاف دينار (?)، وبلغَ الواثق فقال: يا أبا عبد الله، مالُنا أكثرُ من مالك، فلم تغرم علينا، فقال: يا أميرَ المؤمنين، والله لو أمكنني أن أجعل ثوابَ حسناتي لك لفعلت، فكيفَ أبخلُ بمالي وأنت مَلَّكتنيه على الذين يُكثرُون الشكرَ، ويتضاعفُ فيهم الأجر؟ فوصلَه بمئة ألف درهم، ففرَّقها في بني هاشم.

وقال له الواثق: بلغني أنَّك ولَّيتَ القضاءَ رجلًا ضريرًا، قال: نعم؛ لأنَّه بلغني أنَّه بكى على المعتصم حتى ذهبت عيناه، وقد أمرتُه أنْ يستنيب (?).

وسألَه رجلٌ أنْ يحملَه على [عَيْر -يعني] حمارًا- فأعطاهُ حمارًا وفرسًا وبغلًا وجملًا وبِرْذَونًا وجاريةً، وقال: لو علمت مركوبًا غير هؤلاء لحملتك عليه.

وقال (?) أبو العيناء -وكان ضريرًا-: ما رأيتُ في الدنيا أكثر أدبًا من ابن أبي دؤاد؛

طور بواسطة نورين ميديا © 2015