اسْتَعْلَى} [طه: 64] أي: فاز وغلب {قَالُوا يَامُوسَى إِمَّا أَنْ تُلْقِيَ وَإِمَّا أَنْ نَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَلْقَى} [طه: 65] ومعناه: إما أن تلقي عصاك، وإما أن نلقي نحن عصيّنا. {قَالَ} موسى {بَلْ أَلْقُوا فَإِذَا حِبَالُهُمْ وَعِصِيُّهُمْ يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِنْ سِحْرِهِمْ أَنَّهَا تَسْعَى} [طه: 66] أي: تمشي، وكانوا قد لطخوا عصيَّهم وحبالهم بالزئبق، فلما أصابها حرّ الشمس ارتهشت وتحركت، فظنَّ موسى أنها تريده، وامتلأ الوادي بالحيات كأمثال الجبال، يركب بعضها بعضًا {فَأَوْجَسَ فِي نَفْسِهِ خِيفَةً مُوسَى} [طه: 67] أي: أضمر، فقيل له: {قُلْنَا لَا تَخَفْ إِنَّكَ أَنْتَ الْأَعْلَى} [طه: 68] أي: الغالب {وَأَلْقِ مَا فِي يَمِينِكَ تَلْقَفْ مَا صَنَعُوا إِنَّمَا صَنَعُوا كَيْدُ سَاحِرٍ وَلَا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتَى} [طه: 69] أي: في أي مكان من الأرض، فألقاها، فابتلعت جميع ما في الوادي، حتى لم يبق فيه شيء، وأخذها موسى فإذا هي عصاه {فَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سُجَّدًا قَالُوا آمَنَّا بِرَبِّ} العالمين، رب {هَارُونَ وَمُوسَى (70) قَالَ} فرعون: {آمَنْتُمْ لَهُ} أي: به {قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمُ الَّذِي عَلَّمَكُمُ السِّحْرَ فَلَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِنْ خِلَافٍ} يعني اليد اليمنى والرجل اليسرى {وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ وَلَتَعْلَمُنَّ أَيُّنَا أَشَدُّ عَذَابًا وَأَبْقَى} [طه: 71] أي: أنا أو ربّ موسى {قَالُوا لَنْ نُؤْثِرَكَ عَلَى مَا جَاءَنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ} أي: [التي] شاهدناها، والدرجات العلى {وَالَّذِي فَطَرَنَا} وهذا قسم {فَاقْضِ مَا أَنْتَ قَاضٍ} أي: فاحكم بما أنتم صانع من القتل والقطع والصلب {إِنَّمَا تَقْضِي هَذِهِ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا} [طه: 72] أي: ليس لك علينا في الآخرة سلطان {إِنَّا آمَنَّا بِرَبِّنَا لِيَغْفِرَ لَنَا خَطَايَانَا وَمَا أَكْرَهْتَنَا عَلَيْهِ مِنَ السِّحْرِ وَاللَّهُ خَيْرٌ وَأَبْقَى} [طه: 73].
وقال مقاتل: إنما قالوا هذا لأن فرعون أمرهم أن يتعلموا السحر خوفًا من موسى، فقالوا: أرنا كيف ينام موسى، فأراهم، فإذا عصاه قائمة تحرسه، فقالوا: ليس هذا بساحر، فقال: لابدَّ أن تتعلموا، فأكرههم عليه.
وقال السدي: لما شاهدوا العصا رأوا أمرًا فهالهم كما كان ما بين شعبتيها ثمانين ذراعًا.
وقال ابن عباس: جاؤوا أول النهار سحرة كفرة، وصاروا في آخره شهداء بررة.
وقد فرَّقوا بين الساحر والسحَّار، فالساحر من يكون سحره في وقت دون وقت، والسحَّار من يديم السحر.