وصنَّف كتبًا كثيرة في أبواب العلم وصنوفه، حملها عنه قومٌ وكتبها النَّاسُ عنه. وقال الشِّعرَ في الزهد والحثّ على الجهاد. وقدم العراقَ والحجاز والشَّام ومصرَ واليمن، وسمع علمًا كثيرًا.
وكان ثِقَة سيِّدًا زاهدًا عابدًا ورِعًا شُجاعأا جَوَادًا إمامًا حجَّة كثيرَ الحديث. وكان يَتَّجِر ويُنفق على الفقراء والمجاورين بالحَرَمين وغيرِهم، وأقام طولَ عُمره يحجُّ سنةً ويغزو سنة.
وكان أبوه تركيًّا مولًى لرجل تاجرٍ من بني حَنْظَلة، وهم بطنٌ من هَمَذان، وكان عبد الله إذا قدم الكوفةَ يخضع لولده (?) ويعظِّمهم، وكانت أمُّه خُوارِزْميَّة، قال: نظر أبو حنيفةَ إليَّ وإلى أبي فقال: أدَّت أُمُّ عبد الله الأمانة. وكان أشبهَ النَّاس بأبيه.
سئل عن أوَّل أمره فقال: كنت يومًا في بستان وأنا شابّ مع جماعة من أترابي، فأكلنا وشربنا، وكنت مولَعًا بضرب العود، فأخذت العودَ في الليل لأضربَ به، فنطق العودُ وقال: {أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ} [الحديد: 16] ضربت الأرضَ بالعود فكسرته، وصرفتُ ما كان عندي من الأمور التي تَشغلني عن ذِكر الله وعن الله تعالى، وجاء التوفيقُ من الله.
وكانت دارُه بمَرْوَ كبيرة، وكان صحنُها مقدارَ خمسين ذراعًا في مثلها، وكان يأوي إليها أربابُ المروءات والحوائجِ وطلَّابُ العلم، وما دخل حمَّامًا قطّ، ثم قدم الكوفةَ فنزل دارًا صغيرة، فكان لا يأتيه أحد؛ لأنَّهم لم يكونوا يعرفونه، فكان يقول: ما العيشُ إلَّا ها هنا. وكان لا يجالس إلَّا كتبَه، فيقال له: أَلا تستوحش؟ ! فيقول: كيف أستوحشُ وأنا أجالس الله تعالى والملائكةَ والأنبياء والخلفاءَ والعلماء والأولياءَ والشُّهداء وغيرَهم؟ أفتراني أدع مجالسةَ هؤلاء وأجالسكم؟ !
وقال ابن مَعين: كان ابنُ المبارك من الربَّانيين في العلم، الموصوفين بالحفظ، المذكورين بالزُّهد، قدم بغدادَ غير مرة، وأثنى عليه علماءُ الشرق والغرب، كأحمد بن